من يصنع الحقيقة اليوم 1-2

مشاهدات



عائشة سلطان



من يصنع الحقيقة في الوقت الحاضر؟ باعتبار وجود الحقيقة أولاً وباعتبار إمكانية الوصول إليها أو صناعتها والتحكم فيها؟ لدينا في التراث العربي الصوفي عبارة شديدة العمق ودافعة للتأمل تنسب للمتصوف المسلم محمد بن عبدالجبار النفري يقول فيها «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» وفي ظني أن الأمن يتقاطع مع فكرة أو سؤال «من يصنع ومن يتحكم في الحقيقة؟» فكلما اتسعت مصادر الأخبار والمعلومات ضاقت السبل المؤدية للحقيقة! وفي هذا الزمن الذي صار فيه كل شيء سائلاً، مفككاً، كما وصفه الفيلسوف زيجمونت باومان صاحب كتب «السيولة» التي تناول فيها تحول المجتمعات من الحداثة «الصلبة» إلى الحداثة «السائلة». وكيف أن المفاهيم الصلبة التقليدية تفككت في العصر الحديث ليحل محلها حالة من عدم الاستقرار والتغير المستمر الذي يوصف بـ «حالة السيولة». 


في هذا الزمن تبدو الحقيقة من أكثر القيم التي طالتها حالة التغير والتفكك والتي استبدلت بالإشاعات والفضائح، والأخبار المثيرة، وغير الموثوقة . ففي وسائل الإعلام، كما في الجامعات، لم تعد الحقيقة اليوم تُصاغ في صالات التحرير وعلى أيدي كبار الكتاب والمحللين وأساتذة الجامعات، فهؤلاء ليسوا هم من يصوغون الحقائق أو يمتلكونها، وحتى حين ينشر كاتب أو أستاذ جامعي بعض الحقائق والأفكار الصلبة والجديرة بالانتباه، فإن أحداً لا يلتفت ولا ينتبه ولا يهتم! لا تسأل لماذا ؟ لأنك تعرف أن معظم البشر اليوم مستلبون إلى هواتفهم النقالة التي تقدم لهم كل ما يريدون بلمسة بسيطة، الإثارة، والمتعة، والفضائح، والحقائق التي يصدقونها بمزاجهم ويسارعون للإعجاب بها وتداولها وإعادة نشرها في ثوانٍ معدودة ! إن شابة لا تجيد سوى صناعة بريقها الشخصي، وشاب لم يقرأ كتاباً في حياته، يمتلك كلاهما هاتفاً ذكياً وشبكة إنترنت فعالة، معترف بهما كمؤثّرين يجلسان في مقهى فاخر، أو في بهو فندق فخم يتحدثان بخفّة، وينشران جملة أو دعوة أو إعلاناً يلهبان به مشاعر وخيال الآلاف والملايين من متابعيهما، فتتحول في غضون دقائق، إلى «رأي عام»، وحديث من أحاديث المجتمع، تبنى عليه مواقف وترتفع أسهم أشخاص ومطاعم وفنادق!! لماذا يحدث ذلك؟

تعليقات

أحدث أقدم