مقامة النساء أولًا Ladies First :

مشاهدات

صباح الزهيري

كان السفير المرحوم عبد الودود الشيخلي يحاضر علينا في درس الأتيكيت بمعهد الخدمة الخارجية , وأذكر ان موضوع , النساء أولًا Ladies First , استمر شرحه ساعة درس كاملة , ووجهنا على ضرورة تطبيقه في كل الحالات عند مرافقة السيدات , ألا في حالات النزول في السلالم , حيث يجب ان يسبق الرجل المرأة , كي تتكأ عليه تحسبا للحالات ألأستثنائية , كما انه قال :

أنَّه كان من أهمِّ مبادئ الجنود في الحرب , تأمين مكان آمن للنساء حال وجود أيّ خطر وذلك خوفا عليهن من تعرضهم للأذى ,

والحقيقة ان هذه العبارة الشهيرة Ladies First النساء أولًا , كانت دائما تتردد على ألسنتنا , وخاصة الرجال عندما يقدمون الجنس اللطيف لدخول أي مكان , أو فعل أي شيء أخر مما يدخل السرور في قلب المرأة أو الفتاة , لأن الطرف الأخر أظهر لها نوعا من الاحترام والتقدير . تتعدد القصص بشأن تاريخ عبارة السيدات أولًا , والسياق الذي استُخدمت فيه للمرة الأولى , وتعود قصة هذه العبارة لحادثة عجيبة وقعت في إسكتلندا في القرن الثامن عشر الميلادي , ومفادها انه كان هناك شاب من إحدى الأسر الغنية في إحدى مقاطعات إسكتلندا وقع في حب فتاة من أسرة أقل منه في المستوى المعيشي والطبقات التي ينتمون إليها , واتفق الاثنان على الزواج , لكن الشاب لقي معارضة من قبل أسرته , التي اضطرت لتهديده بعدم مباركة هذا الزواج , تزايدت الضغوط على الشاب والفتاة , وقررا ألا يفرقهما إلا الموت , وبالفعل قررا الانتحار, وتوجها إلى صخرة عالية جدًا مطلة على البحر, عندها قررت الفتاه القفز أولًا, ولكن الشاب منعها من القفز, بحجة أنه لن يستطيع رؤيتها تموت أمامه , واتفقا على أن يقفز هو أولًا, وبالفعل قفز الشاب , وسقط ومات , ولكن عندما رأت الفتاه هذا المنظر أصابها الفزع , وغيرت رأيها , وغدرت بالشاب , وعدلت عن مرافقته في الموت , ورجعت إلى البلدة , وتزوجت شخصًا آخر من طبقتها , وخانت حبيبها الذي ضحى بنفسه من أجلها , وعندما علم أهل القرية بذلك قرروا أن تكون النساء أول من يقمن بالأعمال , ومن هنا ظهرت المقولة الشهيرة .

يعد مصطلح , السيدات أولًا , شائع الاستخدام حول العالم , حتى إنه بات يرسخ لقاعدة مسلم بها في الحياة الاجتماعية , فالفكرة مثالية لإظهار نبل الرجل أمام السيدات , ومريحة للمرأة التي تشعر بالاهتمام والتقدير, و تشير إحدى القصص المتداولة إلى أن مفهوم , النساء أولًا , كان يستخدم في الماضي لحمايتهن , فعندما كان الناس يعيشون في الكهوف كانوا يرسلون النساء أولًا إلى الخارج إذا ما سمعوا أي صوت غريب , وذلك لكي يتمكن الرجال من مهاجمة الحيوانات البرية من الخلف , وفي فترة العصور الوسطى , اعتاد جميع الرجال على رمي معاطفهم فوق برك الطين للسماح للمرأة بالمرور عبر الجانب الآخر بأمان , وأن هذا المصطلح نشأ لإنقاذ حياة النساء والأطفال من المواقف التي قد تهدّد حياتهم , باعتبارهم أضعف جسديًا من الرجال ,ففي حادث غرق سفينة , تايتانيك , الشهير عام 1912 , كان نداء قبطان السفينة الغارقة يردد عبارة ,النساء والأطفال أولا , لنقلهم إلى قوارب الإنقاذ قبل الرجال , مما أُنقذ 74% من النساء و52% من الأطفال , فيما أنقذ 20% فقط من الرجال . وتحمل هذه العبارة تاريخًا طويلًا , حيث يعتقد البعض أنها نشأت في عصور الفروسية , حين كان الفرسان النبلاء يحمون السيدات من أي خطر محتمل , وفي أزمنة أخرى , كانت تعكس اهتماما خاصا بسلامة المرأة ورعايتها , ومع تطور المجتمعات وتغير الأدوار, بقيت عبارة السيدات أولاً تحمل معاني مختلفة , فبالنسبة للبعض , هي رمز للتقدير والاحتفاء بالأنوثة , وبالنسبة للآخرين , قد تبدو تقليدية , أو حتى تحمل بعض الإيحاءات الضمنية حول حاجة المرأة للحماية , وفي نهاية المطاف , ربما الأهم هو الروح التي تقال بها هذه العبارة وتُمارس بها , هل هي نابعة من احترام حقيقي وتقدير؟ أم أنها مجرد تقليد أجوف ؟

هناك من يقول انه فى الشرق الرجال أولا: Men's first ,حيث نشر احدهم انه سأل من صديقة انجليزية : أنتم قوم غير متحضرين يتقدم الرجال عندكم على النساء فى المشي من قديم الازل , فأجابها : لقد عاش العرب فى الصحراء القاحلة الشديدة القسوة , فيها جميع أنواع الحشرات والحيونات المفترسة , والكثبان الرملية المتحركة , كان يمشي امامها بخطوات قليلة جدا , بحيث يسمع دبيب اقدامها ويشعر بأنفاسها خلفه حتى يمهد لها الطريق من الأحجار والثعابين والحيوانات المفترسة وقطاع الطرق , أن الأمر عندنا كعرب يتوقف على الظروف المحيطة , فعندما يريد الرجل أن يتحمل عن المرأة المشاق أو يحميها من الأخطار فيتقدم أمامها حتى إذا زالت الأخطار والمصاعب والمشاق , قدم المرأة بعد أن يحيطها بذراعيه لحماية ظهرها من أية أخطار يمكن أن تتعرض له , فيقدمها في ركوب الناقة والدخول للمنزل , وهو مايمثل قمة التحضر والرقي الإنساني . حسب موقع , ذا هيل , تعود أصول عبارة ,السيدات أولاً , إلى الرأي القائل بأن النساء هشات وحساسات , ويحتجن إلى رعاية خاصة , وأن المجتمعات الإنسانية تنظر إلى المرأة والطفل على إنهما الحلقة الأضعف في المجتمع من الناحية الجسمانية وعدم القدرة على تحمل المشاق , وربما هي أيضا جزء دفين من مشاعر الرجل تجاه الطفل والمرأة فهو على اقتناع تام بتفضيلها على الحياة ليعيشا معا , ومما يدخل السرور في قلب المرأة أو الفتاة لأن الطرف الآخر أظهر لها نوعاً من الاحترام والتقدير, وهكذا تبدو السيدات أولاً , مجرد قاعدة من قواعد الإتيكيت , نوع من المجاملة المهذبة التي تعكس احترامًا وتقديرًا للمرأة , وهي بالتأكيد تحمل في طياتها هذا المعنى الجميل , تخيل أن يسبقك شخص بابتسامة ليفتح لك الباب , أليس هذا شعورًا لطيفًا ؟ ولا شك أن اللطف والتقدير المتبادلين هما أساس أي تعامل إنساني راقٍ , سواء قيلت عبارة السيدات أولا أم لا , فإن الأفعال التي تعكس الاحترام والاهتمام هي ما يترك الأثر الأعمق , فلنجعل من كلمة , تفضلي , تعبيرًا حقيقيًا عن تقديرنا لنصفنا اللطيف .

تعليقات

أحدث أقدم