نازنين الجاف
عندما خرجت رأيت الاصدقاء الجدد الذين وصلوا الى الجزيرة يأكلون ثمار الأشجار والفواكه من هنا وهناك وفجاة توقفوا عن الحركة وركزوا انتباههم نحوي كانهم ينتظرون مني امرا ما . نظرت اليهم بابتسامة وتمنيت لهم يوما سعيدا . بعد أن أكلنا قليلاً طلبت منهم ان نجلس ونتفق على كيفية قضاء أيامنا المقبلة وهنا بدأت مرحلة جديدة من مراحل حياتي فقد كان عليّ أن امنحهم أماكن ليبنوا عليها بيوتا لتكون نواة لمدينة ثم نقسم الاعمال بيننا وأخبرتهم أننا نعيش على جزيرة نائية ولايوجد لدينا اي امل للنجاة أو طلب العون لذلك يجب أن نتعاون ونتكاتف للاستمرار . وعليكم أنّ تحترموا قوانيني لو اردتم البقاء في هذا المكان .. كانوا ينظرون اليّ وكلهم اذان صاغية وكنت اقرأ في وجوههم علامة الرضا ثم عرضت على العائلة قطعة من الأرض لتحميهم من برودة وقساوة الشتاء وحرارة الصيف مقابل مساعدتي في الزراعة لمدة خمسة أعوام ثم ذهبنا بعيداً عن مسكني الى مكان قريب من الشلال وحددت لهم مساحة كبيرة من الأرض فرحوا بها ثم قرروا البدء بالبناء رغم حزنهم .. بعد أن أكملنا حديثنا واتفقنا على كل شيء غادرنا أنا والرجل الآخر للبحث عن الطعام وأخذنا كل مايلزمنا للصيد وتركت صديقاي امانة مع الفتاة الصغيرة التي كان اسمها جميلة وهي كانت فعلاً كذلك حتى تلعب معهم وتطعمهم .
سرنا نحو بحيرة البجع وكنت أفكر وانا على قدر كبير من السعادة واشكر الله لانه جمعني باشخاص شاركوني وحدتي . كنا نمشي بصمت وبخطوات سريعة دون أن ننطق بكلمة واحدة ولم يجرؤ أحدنا على محاولة التعرف على الآخر ولكنه كان يصطنع عدم الاهتمام واللامبالات ثمّ فجأة هدأ صوت الطيور وحتى النسيم توقف وبعد فترة قصيرة من التأمل والسكون المخيف الذي خيم على المكان سمعنا ضجيج الحيوانات التي تركض نحونا ورأينا سربا من الطيور تُحلق فوق رؤوسنا فخشيت ان يكون بينهم حيوان مفترس فاختبأت خلف ظهره وكنا ننظر بين الاشجار فإذا بأيل بري كبير الحجم يهجم علينا وكان ضخماً جدا وله قرنان كبيران يشبه شجرة عيد الميلاد وهنا أخرج سكينا وبدأ يظهر مفاتن عضلاته القوية التي حاول اخفائها في بادئ الأمر وأمسك بقرنيه وادار رقبته حتى أسقطه ارضاً وقتله وكان المنظر مخيفاً بالنسبة لي ثم نظر الي ليطمئنني بأن الخطر قد زال . رفع خصلة من شعره الذي كان يغطي وجهه .. حديثنا كان من خلال نظراتنا .. طلب مني ان أساعده على ربط قدميه بالحبل الذي كان معنا ووضع غصناً كبيراً بينهما ليحمل كل منا جانبا ثمّ قررنا أن نعود أدراجنا وفي الطريق ولأول مرة سألته عن اسمه وقد كان متردداً كثير الحياء لكنه قال بصوت منخفض فيه شيء من الكبرياء اسمي سليم .
الحمل كان ثقيلا وكنّا نستريح بين الحين والآخر او نبدل ألاماكن حتى وصلنا عند البقية الذين اتو لمساعدتنا ووضعناه قرب النهر ثم قمنا بتنظيفه وحسبت حسابي بانه يجب ان يكفينا هذا الطعام لعدة أيام . أشعلنا نارا كبيرة وجلسنا حولها وقمنا بشوائه حتى حلّ علينا المساء دون أن ننتبه للوقت فقد كنا منهكين جداً وأخذ كلّ منا حصته من اللحم المشوي . كان الرجل الذي اعجبت به يقطع اللحم بأسلوب المحترفين في الطبخ وكنت أختلس النظر اليه ثم تبادلنا أطراف الحديث عن تفاصيل يومنا ونحن على مأدبة العشاء ثم شعرنا بالنعاس وذهب كل منا في طريقه إلى النوم . دخلت وصديقاي الحملين اللطيفين إلى الكهف وكنت اشعر بهم يكبّرون يوماً بعد يوم أمام ناظري لكنني ادخلتهم إلى حضيرتهم الصغيرة واغلقت الباب وانا أنظر الى القمر بعيناي الناعستان من فتحة صغيرة في الأعلى ثم تمددت من شدة التعب وانا أفكّر بغد أفضل وما الذي سيجري في قادم الايام .
ابتسمت وغفوت .
إرسال تعليق