اللعب في الوقت الضائع

مشاهدات


د. ضرغام الدباغ

الفرس يعتقدون أنهم لاعبون ماهرون في السياسة، وهذه القناعة الخاطئة جرت عليهم الويلات والنكبات، وفي مقدمتها أنها جعلتهم مكروهين في شعوب المنطقة سواء من : الآذريين (وهم مثلهم من الشيعة الاثنا عشرية)، ومن العرب، والافغان، والترك، والكرد، والبلوش، ولا علاقات حسنة لهم بالمطلق إلا مع الأرمن .. وفي هذا سر مجهول / معلوم، فالفرس يستمعون لكل شيء، إلا حين يأتي ذكر أذربيجان، فهم يخشون يوم تدق ساعة أذربيجان الإيرانية وتصمم على الالتحاق بأذربيجان الشمالية الدولة المستقلة المزدهرة . إذن اذربيجان هي صخرة سينمار، إذا أفلتت من الفسيفساء الإيراني، سينهار البناء، لذلك قاتل الفرس لجانب الأرمن ضد أذربيجان الشمالية، وهو خيار مكروه وغير محبب، ولكنه قرار سياسيا إجباري/ إرغامي، وهي أسوأ أنواع القرارات السياسية، التي تضطر أي قيادة على إتخاذها. يمتد ارتكاب هذا الخطأ، إلى رؤية مخالفة للواقع الموضوعي، في ضرب من القرارات المتخذة سلفاً/ المسبقة الصنع حين تناصب دولة ما (س) الخصومة والعداء لدولة أخرى، ويتحول هذا العداء إلى مستوى غير مألوف في السياسة فكل ما يصدر من تلك الدولة الخصم، تقف منه الدولة المعادية (س) موقف الضد بصرف النظر عن فحوى ما صدر، وإن كان إنسانيا ولا علاقة له بالسياسة، أو تحلية مياه البحر (مثلاً).

صناع القرار الفرس من هذا الطراز (س)، فتراهم يعادون جميع هذه الأمم لأنهم يفترضون أن الموقف المحلي / الإقليمي/ الدولي، سيتشكل بطريقة تنصف هذه الشعوب المضطهدة، ولذلك فإن إيران تعاديها على أية حال، وفي السراء والضراء، هناك موقف دولي يسكت عما تفعله إيران، والسبب أن أمماً كبرى وصغرى تريد الحفاظ على منطقتنا في حالة جمود للمساعي الانشقاقية، وأن جمع ست مكونات في كيان واحد (كأيران)، يختصر الكثير من الجهد والتكاليف. ولكن هذا لا يفترض أن يكون موقفاً نهائيا، وأبدياً، وإبقاء شعوب هذه المكونات مقسمة تعاني من الجور والحرمان والانقسام، ممكناً لفترة محدودة، تمنح للدولة (س) لتبني لها موقفا تبادلياً تتموضع به إن دقت الساعة، ولكن لا يبدو أن (إيران) قد اكتشفت أو سمعت دقة الساعة، فتحيطها المشاكل وتعجز عن إيجاد حلول منطقية، فهي (إيران) قد ألفت الحلول العنيفة، أو المعتمدة على القوى المؤسسة لكيانها. الدولة الإيرانية في الواقع كانت قد اكتشفت وسيلة نجحت بضعة مرات وتظن أنها ستنجح في كل مرة، وهو فن إثارة المتاعب بصورة مباشرة، أو غير مباشرة ومن هذا تثبت للقوى الفاحصة لشؤونها أن :

1. لسنا نحن من يعاني المتاعب الوجودية.
2. نحن كقوة " كبيرة "مؤثرة نراقب المنطقة، ولنا أذرع وأيدي وأرجل وأدوات، نستطيع التحكم في توازنات المنطق .
3. نحن نحثكم فتجنون المكاسب، وعلى التفاهم معنا، لا التآمر علينا فتخسرون وتضيع قواكم.
4. لا توجد لدينا عجول مقدسة، كل شيء في الميدان، يمكن التفاهم عليه، والتنازل عن مركز أو أكثر لنا، ولكن مقابل ضمانات وجودية، وتسهيلات سياسية واقتصادية وعسكرية.
5. نحن ساعدناكم، وأنتم قوى عظمى، على حل مشكلات سياسية/ عسكرية، كان لولا ذلك، فإن خسائركم كانت ستتضاعف، لو وقفنا على الحياد، وربما مساعيكم تحبط بأسرها لو أخترنا مساعدة الطرف الآخر.

وفات على إيران إدراك أن هذه القوى العظمى ليس لديها نظام داخلي يحدد أصول اللعبة وقواعدها، ولا حتى زمنها، فتغير المعسكرات والتحالفات، هي من أسهل الأساليب، المهم أن نكسب ونكسب، ونضاعف مكاسبنا، ولا قاعدة تلزمنا بغير ذلك.

مالعمل يا أبو فراس، كيف ننقذ الرقعة ..؟
الآن وفي هذا الوقت المتأخر، واللعبة استغرقت نحو 50 عاماً يمكن القول أنها تاريخية، فالنصيحة المتأخرة لا تجدي نفعاً، لأنك لا يمكن أن تقول " I am sorry" ولا يوجد أحد يقدم النصيحة لأحد في مثل هذه الجولة ... أنت في مرحلة اللعب في الوقت الضائع، وعليك لا يقل عن 5 أهداف ...أحسبها جيداً بأصابعك ....!

تعليقات

أحدث أقدم