إن أهل الشام اليوم ينظرون مليًّا في أمرهم، ويُقدِّروا إمكاناتهم ونتائج قراراتهم، ويوازنوا بين المتاح والمأمول، ويُقاربوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا . فهم اليوم أمام معادلةٍ جديدة، وموازينُ قوى متغيّرة، ومقاتلون انتقلوا من الثورة إلى الدولة، يشتدُّ عودُهم، وتقوى شوكتُهم، ويزداد حضورُهم في ميدان السياسة .
النصرُ في الحروب، ليس فقط بإسقاط عدوٍّ أو احتلالِ أرض، بل بالبقاء واقفين على أقدامهم رغم الجراح !
الجولاني، أو أحمد الشرع، لم يكن خليفةً راشدًا، بل إنسانًا مسلمًا قاد مشروعًا في وجه نظامٍ قمعيٍّ وطائفيٍّ واحتلالاتٍ متعددة. وفي تلك البيئة، تصرّف وفق ما أتيح له من أدوات، وكان يحاول أن يُبقي مشروع الثورة حيًّا ولو في رمقه الأخير. وهذا ما لا يفهمه كثيرٌ من منتقديه؛ لأنّهم ببساطة لا يعيشون الواقع، ولا يُدركون حجم الضغط والتحدي والمفاضلة بين السيّء والأسوأ.
وقد قيل :
قال الخشبُ للمسمار: لقد ثقبتَني!
فقال له المسمار: لو رأيتَ الطرقَ على رأسي لعذرتَني!
سوريا اليوم تجني بعض ثمار غرسٍ سقاه الشهداءُ بدمائهم، ورجالها بجراحهم، وأسراها بعذاباتهم . ولسانُ حالها يقول :
البيوتُ المهدَّمةُ سنبنيها!
المساجدُ سنعيد مآذنَها شامخةً!
المستشفياتُ سنُعيدُ لها دَورها!
الجامعاتُ سنقيمُ صفوفَها ومختبراتِها!
فيا أهل الشام، يا قِبلةَ الفتوحات عبر التاريخ، اعتصموا بحبلِ الله جميعًا ولا تفرّقوا . وابتعدوا عن الخطابات الطائفية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي . واحذروا بذورَ التطرّف، ولا تسمحوا لها أن تنمو بينكم، فإنهم كلّما أرادوا أن يُجهضوا ثورة او يخربوا دولة، أخرجوا لها داعشًا وأخواتها! حافظوا على قيادتكم الجامعة، بقيادة احمد الشرع، فهي تُحسنُ خطاب الداخل، وتفهم تركيبة الخارج . لقد أثبتت تلك القيادة أنها قادرةٌ على التوازن بين الثباتِ على المبادئ، والمرونة في التعامل السياسي. فمن يربحُ الميدان من الصعب أن يربح السياسة، ولكنّهم اليوم كسبوا الميدان والسياسة معًا . لقد نجحوا، بواقعيةٍ ذكية، في رفع العقوبات، وفي عقد لقاءاتٍ عالية المستوى، كان أبرزها اللقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كانت اصدائه في الدوائر الغربية كبيرة وهو يحمل رسالة واضحة :
ثمّة قيادةٌ في الشام تُجيدُ مخاطبةَ الخصوم بلغة المصالح، دون أن تُفرّط في الثوابت.
وها أنتم اليوم على أعتاب مرحلةٍ جديدة، فسدِّدوا وقارِبوا، وسُدّوا مواضع الخلل، ولا تتركوا فُرجةً للشيطان. إنّ الذي بذل الروحَ، لن يَعجز عن حفظ المشروع

إرسال تعليق