مشاهدات
صباح الزهيري
لقطة : الاضاءة المستمرة كما العتمة المستمرة قد يفقدان الانسان الاحساس بالزمن .
يا له من اقتباس , فعندما يتوقف الزمن , أثر الضوء والعتمة الأبديين , الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة وفقدان الإحساس بالزمن , لننطلق للتفكير في طبيعة الزمن وتجربتنا له , فما هو الزمن حقًا ؟ كيف ندركه ونشعر بمروره؟ ما الذي يحدث لإدراكنا للزمن عندما تتلاشى العلامات الطبيعية التي نستدل بها عليه؟ وكيف أن التغيرات والتباينات في محيطنا , مثل تعاقب الليل والنهار, والفصول , والتغيرات في الإضاءة , تلعب دورًا حاسمًا في وعينا بالزمن ,فلملاحظة تأثير الإضاءة المستمرة , تخيل سيناريو يعيش فيه الإنسان في بيئة مضاءة باستمرار دون أي دورة ليلية , كيف سيؤثر ذلك على ساعته البيولوجية ؟ وكيف أن أجسامنا مهيأة لدورة النوم والاستيقاظ , وأن الإضاءة المستمرة قد تعطل هذه الدورة وتؤدي إلى اضطرابات في النوم والمزاج والصحة العامة , ولا نستبعد فكرة فقدان العلامات التي تميز مرور اليوم , مثل شروق الشمس وغروبها , وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور بالضياع وعدم اليقين بشأن الوقت , وكذلك تأثير العتمة المستمرة , تخيل العيش في ظلام دائم , كيف سيؤثر ذلك على الحواس الأخرى ؟ هل ستتطور بشكل مختلف لتعويض نقص البصر؟ وما هو التأثير النفسي للعتمة المستمرة , مثل الشعور بالعزلة والخوف والاكتئاب , وكيف أن غياب الضوء يحرمنا من العديد من الإشارات البصرية التي نعتمد عليها في فهم العالم من حولنا وتحديد موقعنا في الزمان والمكان .
فقدان الإحساس بالزمن , أو مايسمى ضياع الزمن , أو العمى الزمني ,ظاهرة لافتة , انتشرت مؤخرًا في كثير من المجتمعات على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تعبر عن شعور العديد من الأشخاص بفقدان الإحساس بالزمن , وأشاروا إلى أن العزلة بسبب التغيرات الكبيرة في الروتين اليومي , قد أسهمت في هذا الشعور الضائع بالزمن , ووصف الخبراء هذه الظاهرة بأنها العمى الزمني , وهي حالة معرفية تتسبب في صعوبة إدراك وإدارة الوقت , مما يؤدي إلى الإحساس بأن الأيام والأسابيع تمر بسرعة كبيرة , مؤكدين أن هذا الشعور تفاقم مع الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي , حيث يجد الشخص نفسه غارقًا في التطبيقات لفترات طويلة دون أن يلاحظ مرور الوقت , وأضافوا أن العمى الزمني , قد يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية , ويعيق الالتزام بالمواعيد , ويؤدي إلى السهر المفرط , وأن الحل لهذه المشكلة يكمن في وضع خطة لحياة منظمة , مع ممارسة الهوايات والتركيز على إعادة الشعور بالزمن وتقدير اللحظات التي يعيشها الفرد .
تقود حالات الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة الى فكرة فقدان الإحساس بالزمن , وأن غياب التباين والتغيير يمكن أن يجعل الوقت يبدو ثابتًا أو غير محسوس , مثل الأشخاص الذين يعيشون في بيئات معزولة أو يعملون في نوبات عمل طويلة دون التعرض للضوء الطبيعي , وكيف يصفون تجربتهم مع إدراك الوقت , وكيف أن الإحساس بالزمن متجذر في إدراكنا للتغيير والحركة , وعندما يتوقف هذا التغيير, يبدأ إدراكنا للزمن في التلاشي , ولو تأملنا في المعنى الأعمق للزمن في حياتنا , هل هو مجرد قياس فلكي , أم أنه تجربة إنسانية ذاتي ؟ سنجد كيف أن إحساسنا بالزمن يرتبط بالذاكرة والتوقع والأمل , وكيف يمكن أن يؤثر فقدان هذا الإحساس على هذه الجوانب من تجربتنا ؟ لنستكشف فكرة أن التباين هو جوهر الإدراك , وبدون الاختلافات , يصبح كل شيء باهتًا وغير مميز, بما في ذلك مرور الوقت , وأهمية التغير والتنوع في محيطنا للحفاظ على إلأحساس بالزمن والواقع . للضوء الطبيعي دور كبير في تنظيم حياتنا اليومية , وفي إمداد أجسامنا بالطاقة التي تساعدنا على الاستيقاظ بحيوية , وممارسة أعمالنا بنشاط , كما يعتبر الضوء أحد العناصر المهمة لاستمرار الحياة , وبدونه يختل توازن الإنسان ويفقد الحياة , لكن مع التقدم والتطور الهائل الذي ساهم في إدخال الكهرباء إلى حياتنا , تعددت مصادر ووسائل الإضاءة , وأصبح استهلاكها يفوق الحد الطبيعي , وأصبحت الإضاءة الصناعية أكثر استخداماً وفي جميع الأوقات , ما جعلها تؤثر وبشكل كبير في صحة الإنسان من خلال إحداث خلل بساعته البيولوجية والتسبب بأمراض نفسية وجسدية , حيث كشفت الأبحاث العلمية الصادرة حديثاً أن الإضاءة الصناعية مسؤولة عن مجموعة من هذه الأمراض , بل إن بعض الدراسات وجدت أن التعرض المفرط للضوء الصناعي في الليل يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان .
يقول ابو المحاسن الكربلائي :
أشرقت منك في الوجود ذكاء فجلا حالك الظلام الضياء ,
درة عن سنائها قد تشظى صدف الفيض فاستضاء السناء ,
ويقول ابن الجوزي :
فبعد العَتمَةِ الظَّلماءِ نورٌ وطولُ الليلِ يعقبهُ الضياءُ أمانينا لها ربٌ كريمٌ إذا أعطی سيُدهِشُنا العطاءُ ,
حين نقرأ لشعراء الضفاف المشمسة للمتوسط , يستوقفنا تواتر جدلية الظل والضياء أو العتمة والنور أو الليل والنهار , ولعله من المهم الوقوف عند الأسباب التي تقرب أو تباعد بين هذين المتناقضين , المتنابذين في الظاهر , وإن القاريء ليستشعر أواصر قربى تصله ببعض أولئك الشعراء , لذا يتلمس الدروب التي طرقوها ويدعو إلى السعي فيها , وكان رونيه شار قد قال في هذا السياق :
ليس بإمكاننا العيش إلا في ما هو موارب , وتحديداً, على الخط الكتيم الذي يفصل الظلمة عن الضياء ,
غير أننا نكون دوما , ودون إرادة منا , مدفوعين إلى الأمام , وكثيرا ماكان أدونيس يردد بأنه يسير مسترشداً بالضياء , أذ يقول :
بأن شعاعا من نور هو الذي دله على الطريق , كما ان أوديسوس إيليتيس كتب يقول :
ليكن ممجدا هذا الضياء ,
ومباركة هذه الصلاة الأولى التي سجلها الإنسان على الحجر,
مباركة هي سطوة الحيوان الذي يفتح طريقا إلى الشمس ,
ومبارك هو النبات الذي غرد ,
فكان النهار ,
وفي إحدى قصائده يقول الشاعر السريالي فيليب سوبو معرفا نفسه , فيرى أنه :
بالكاد ظل ومضة تتعقب الضياء ,
فدرب النفس أن تبحث عن ضوء في نهاية النفق ,
و أن تشعل شمعة في جنح الظلام ,
و إياك أن تعتقد أن العالم ضدك ,
وأنك ولدت مع سحابة رمادية فوق رأسك ,
لست بحاجة أن تكون ضحية لجذور اليأس أو الافتراض بأنك تعاني خيبة الأمل ,
يبدو جميعا أننا نفقر ذواتنا من حيث لا فقر ,
ونسقط أوراق جمال أنفسنا من حيث لا ربيع يفصل بين بهجة الحياة و حزنها .

إرسال تعليق