في صيف 1979، تجمهرت مجموعة كبيرة من الطلاب أمام مقر القوة الجوية العراقية الكائن في (بغداد/ شارع النضال)، وهم يرومون تقديم أوراقهم بنية الالتحاق ببعثة دراسية إلى إحدى الدول الأوربية لدراسة هندسة الطائرات، وكان من بين المتقدمين، طالبان من طائفة السريان المسيحيين . أثناء إملاء استمارات القبول، دوّنَ أحد الطالبين أمام حقل القومية، كلمة "سرياني"! إنتبه صاحبه الثاني الذي كان يقف بجانبه لما فعل الأول، فقرصه من ساعده الأيسر وهو يهمس :
- ماذا دونت أيها الأحمق؟!
ردّ عليه الأول :
- لم أدوّن شيئا خاطئاُ، فقط الحقيقة .
- أية حقيقة؟! هل نسيت أن بلدنا يهمين عليه حزب قومي متطرف أوحد، يعتبر كل البشر الموجودين على أرض العراق عرباً رغما عن أنوفهم؟!
- لم أنس ذلك، ولكني نشأت على الصدق مع نفسي ومع الآخرين.
- هل بصدقك هذا, أنت تريد نيل هذه البعثة ثم لتعمل بصفة (ضابط مهندس) في القوة الجوية العراقية، أيها المتحذلق؟!
- لن أخسر شيئاً، سأحاول, وربما سأكسب شرف المحاولة فقط، وبهذا سيكون ضميري مرتاحاً.
- يا إلهي، لم أعرف أنك بمثل هذا الغباء من قبلُ إلّا الآن، و ربّما كان عليّ أن آتي من (الموصل) إلى هنا بمفردي.
- لماذا أنت غاضب هكذا؟!
- يبدو لي أنك تعيش في كوكب (زحل) وليس في كوكبنا هذا.
صمت الأول لبرهة وبانت على وجهه سحابة قاتمة، ثم وجّه سؤالاً جديداً لصاحبه :
- ترى، لماذا يقوم هؤلاء بإلغاء كينونتنا ويجبروننا على خلع ثيابنا وارتداء ثيابٍ غيرها، ليست على مقاسنا ولا تنسجم مع أذواقنا؟!
رد عليه صاحبه بلهجة صارمة، قائلاً:
- كفى بالله عليك، وقم بشطب كلمة "سرياني" ودوّن بدلاً منها كلمة "عربي"، اذا كنت تريد الالتحاق بالبعثة، ولا تتحذلق مرة أخرى، هيّا.
إرسال تعليق