الضيق و ضبابية المصير

مشاهدات



 سحر آل النصراوي


حين تنقسم ويتحول داخلك إلى ساحة صراع ومعركة ، تخوضها بين نفسك والعالم ، الضيق وضبابية المصير ، هما جبهتا حربك .  في لحظات معينة من الحياة ، نجد أنفسنا عالقين في حالة من الضيق والضبابية، وكأننا نقف وسط ضباب كثيف يحجب عنّا معالم الطريق . ليس هناك ألم واضح، ولا جرح مرئي، بل شعور ثقيل يسكن الروح ويجعل كل شيء يبدو رماديًا، فتفقد ثقتك بيقين معرفتك بما تريده أو ما تستطيع إنجازه . الضيق ليس مجرد حالة نفسية عابرة ؛ إنه تراكم لمشاعر لم تجد متنفسًا، لأسئلة لم تُجب، ولأحلام باتت مشوشة بفعل الواقع . قد يكون مصدره صدمات الماضي التي لم تلتئم تمامًا، أو قلق المستقبل الذي يحيط بنا كدوامة لا نهائية . وقد ينبع ببساطة من إحساسنا بالعجز عن تغيير ما نراه خاطئًا أو غير محتمل في حياتنا .


أما الضبابية، فهي أكثر تعقيدًا. إنها ذلك الشعور بفقدان الاتجاه، بعدم القدرة على اتخاذ القرارات، أو حتى بفقدان الحافز لفعل أي شيء.  إنها مرحلة يصبح فيها العقل مثقلًا بالأفكار، لكنها أفكار متشابكة بلا خيط واضح . وكأنك تنظر إلى لوحة ممزقة ، كثيرة الألوان لكنها بلا شكل مفهوم . أحيانًا، يكون الضيق والضبابية وجهين لعملة واحدة ؛ عندما نشعر بالضيق، نصبح غير قادرين على الرؤية بوضوح ، وعندما يغمرنا الضباب، نشعر بثقل الحياة على صدورنا . لكن الأغرب من ذلك هو أن هذا الشعور قد يصبح مألوفًا، حتى نصل إلى نقطة نرتاح فيها وسط الضباب، لأنه بات أقل رعبًا من مواجهة وضوح قد يكشف لنا حقائق نخشى رؤيتها . رغم كل هذا، يظل هناك مخرج محتمل، ربما لا يكون واضحًا منذ البداية، لكنه موجود.، لا محالة في مكان لا يدركه بصرك ولا تدلك عليه بصيرتك . قد يتمثل أحيانا في كلمة صادقة نسمعها من شخص قريب، أو في لحظة تأمل نسمح فيها لأنفسنا أن نتنفس بعيدًا عن فوضى التفكير وصخبه . قد يكون في فعل بسيط يعيد إلينا حسّ السيطرة و التمكن من الإمساك ببعض زمام حياتنا، أو حتى في تقبل فكرة أن الضباب ليس نهاية الطريق، بل مجرد مرحلة انتقالية قبل أن تتضح الرؤيا. الضيق والضبابية لن يدوما إلى الأبد، لكنهما يتطلبان منا كثيرا من الصبر ، كثيرا من الجلد كي نتجاوزهمتا .  يكفي فقط أن نتذكر أن هناك  نقطة ضوء، ولإن بدت بعيدة .



تعليقات

أحدث أقدم