بقلم : طلال بركات
مؤشرات مباحثات الرياض للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار وانهاء الحرب في أوكرانيا تصب في محورين :
المحور الاول : ان الرئيس الأمريكي ترامب منذ اول دخوله البيت الأبيض أظهر للعيان تحول شامل في حسابات الدول للتعامل معه خصوصاً بعد عبارة سلطة القوة التي كان يعنيها عندما ذكرها في احد لقاءاته الصحفية تلك العبارة التي نقلت امريكا من حالة التراجع حتى في حل المشاكل الداخلية إلى حل الأزمات والمعضلات الدولية بعد خلق حالة من الخوف في اغلب المناطق الساخنة في العالم وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط الأكثر سخونة وفي المقدمة حماس ثم ايران واتباعها بالرغم من تجنبه الإفصاح عن خططه المستقبلية في مواجهة ايران وترك المجال لمساعدية للتلاعب في اعصاب تلك الأطراف التي كانت تشهر في عدائها لأمريكا بفخر وفق شعار الموت لأمريكا الذي كان يطرح في مناسبة او من غير مناسبة وبعد مجيء ترامب تم استبداله بإخواننا الأمريكان وهذا يعني مدى تأثير العامل النفسي في انهيار قدرة تلك الأطراف قبل اي مواجهة .. وهذا ما يؤكد ان مقادير الأمور بدأت تسير وفق الخريطة التي رسمها ترامب والتي سماها بسلطة القوة وما نتج عنها من تطبيق حرفي لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وعودة الرهائن دون مماطلة او تسويف حتى أعاد اليقين إلى ان امريكا هي الأقوى في العالم من حيث امكاناتها بعد تراجعها عندما حكم الديمقراطين، لذلك بات من الواضح ان قوة القيادة هي من تلعب دور في توظيف الإمكانات لتكون في المقدمة من حيث التأثير في السياسة المحلية او الدولية عكس سياسة الرئيس السابق بايدن وحزبه الذي كانت سياسته تعبر عن انعكاس ضعفه الشخصي وتردده بل وتخبطه في اتخاذ القرارات التي كان اغلبها يعطي انطباع متخاذل أمام التحديات سواء مع افغانستان او استرضاء ايران، بينما اليوم الرئيس ترامب يريد ان يعيد السياسة الخارجية الأمريكية في مسارها الصحيح انطلاقاً من قوة امريكا السياسية قبل العسكرية التي بدأها إقليمياً في غزة على صعيد الشرق الأوسط ، وعالمياً على صعيد الحرب الروسية الاوكرانية وفق الخطوات التي بدأت في الرياض تمهيداً للحل بايقاف الحرب المستعرة التي إستمرت ثلاث سنوات .
المحور الثاني : اختيار السعودية لقيادة المفاوضات بين الطرف الأمريكي والروسي على مستوى وزراء الخارجية تمهيداً للقاء القمة بين الرئيسين ترامب وبوتين وهذا ليس بالشيئ الهين وانما يعني بروز دور إقليمي ودولي فاعل للملكة العربية السعودية وفق مقومات وشروط الوسيط التي لا تعني فقط قدرة وثقافة القائمين بالوساطة وانما الثقل الدولي لمكانة الوسيط أي مكانة الدولة من خلال الاتزان السياسي والمصداقية والحيادية في السلوك العام الذي يجعلها محط ثقة لقبول الوساطة بين الأطراف المتصارعة خصوصاً بعد نجاح تجربة وساطتها ( أي السعودية ) في تبادل تبادل الاسرى بين روسيا واوكرانيا التي قادت إلى الخطوة الأبعد بقبول الوساطة بين أمريكا وروسيا لوقف الحرب في أوكرانيا، مما يدل على ان السعودية لاعب أساسي في الدبلوماسية الدولية بعدما كانت تسعى دائماً لتكون حليف استراتيجي مع امريكا .. اليوم امريكا هي التي تسعى إلى ان تكون حليف استراتيجي مع السعودية والدليل سلمتها قيادة المفاوضات لتكون راعية للسلام من اجل حل أخطر مشكلة دولية بين دول عظمى، بمعنى ان الدبلوماسية السعودية أصبحت أحد الأطراف القيادية للنظام الدولي خصوصاً وانها اخذت مكان الصين التي كانت لاعب أساسي في فك شفرة التوترات العالمية مثلما فعلت كضامن للتعايش بين ايران والسعودية بعد حزمة من التوترات بين البلدين لحين الوصول إلى اعادة العلاقات الدبلوماسية بالرغم من ان ايران لم تكن راغبة في ذلك التعايش ولكن قبولها من اجل اتخاذ السعودية في يوماً ما جسر للوساطة بينها وبين أمريكا بعدما عرفت مدى مكانة السعودية وتأثيرها في السياسة الإقليمية والدولية وقد جاء هذا اليوم الذي تحاول فية ايران من خلف الكواليس وفق مبدأ التقية السياسية على حث السعودية للقيام بتلك الوساطة بعد مجيء ترامب للوصول إلى اتفاق مرضي بشأن المشروع النووي الإيراني ولكن ليس من السهولة ان تنطلي على السعودية ألاعيب ايران لانها لا يمكن ان تنسى الضربات الصاروخية على المنشآت النفطية في أرامكو وأيضاً لا يمكن ان تنسى ما فعلت في اليمن وكذلك لا يمكن ان تنسى تغريدة الخامنئي الذي قال فيها ( تأخذ المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية أشكالاً مختلفة، ففي عصر السيوف والرماح لها شكلها الخاص وفي عصر الذرة والذكاء الإصطناعي لها شكل آخر وفي عصر الدعاية والإعلام عِبرَ الشِّعر والبيان والكلام لها شكلها أيضاً وفي عصر الإنترنت والكوانتوم وما إلى ذلك، لها شكل مختلف) . مما يعني تهديد نابع من العداء التاريخي للمحور الذي تتزعمه إيران يتركز على ”جبهة اليزيديين”، أي على العرب والمسلمين . لذلك حان الوقت ان تعمل السعودية على تفكيك محور ايران الإقليمي والدولي بقدراتها الدبلوماسية من خلال تأثيرها على ما يدور في الكواليس بشأن المشروع النووي الإيراني وفق شروط بومبيو وزير خارجية امريكا الأسبق بمعنى ليس فقط منع ايران من الوصول إلى السلاح النووي كما تعهد الرئيس ترامب وانما تفكيك الحرس الثوري الإيراني وإيقاف تصنيع الصواريخ الباليستية البعيدة المدى والطائرات المسيرة كما هو جاري الحديث عن ذلك في الأروقة السياسية، بالاضافة إلى ان العمل جاري على إنهاء اذرع ايران في المنطقة مثلما حصل في لبنان وسوريا وحماس والدور القادم على العراق واليمن بموجب تطبيق العقوبات القصوى التي بدأت تفرضها إدارة الرئيس ترامب على إيران وحلفائها وكل ذلك يطبخ على نار هادئة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وفق التحالف الجديد بين إدارة الرئيس ترامب المتمثلة في الحزب الجمهوري وسياسة محمد بين سلمان التي تتمثل بالدبلوماسية الهادئة التي تتوافق مع الوجه الاخر من سلوك الجمهوريين المحافظ في مختلف المجالات كونها الأكثر ملائمة مع الجمهوريين في الولايات المتحدة، مما يعني ان السعودية أصبحت مركز استقطاب إقليمي ودولي، وقوة فاعلة في محيطها العربي .. لذلك يفرض بالدول العربية دعم سياسات المملكة الثابتة التي لا يسودها خيانة او غدر من اجل تشكيل محور عربي فاعل يرعى مصالح الأمة.
إرسال تعليق