مقامة الدهشة

مشاهدات



صباح الزهيري


كالمعتاد يسرف شيخنا في أعجابه بصاحبته الكلبية , ويكيل المديح لقصة أسمها (( خضراء من غير يأس)) , وردت في مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان ( تأبط دم الحكاية ) , ويبتدأ كلامه بالقول ان (( الواقعية لاتعني تسجيل كل ما وقع انما تتجاوزه الى كل ما يمكن ان يقع )) , وهكذا ومع ماكان وما يكون يدعونا للأعجاب بهذه الروائية الشامية , التي يرى انها كانت ناجحة لحد الدهشة , ثم ينهي نصه بعبارة خرجت من شغاف قلبه بقوله :

وكم من عاشق التقى حبيبته في فيها واطعمها ؟ .

يلاحق صاحبنا التابو والرمز في كتابات مبدعته , حيث غالباً ما تستخدم الذات الرمز في ماتكتبه في محاولة منها لإيصال المعنى الذي تودّ إيصاله إلى المتلقي , وذلك من خلال مفردة أو عبارة أو شخصية أو حتى مكان ما , فكل رمز له دلالاته التي من خلاله تجعل للحكاية مساحة واسعة من التأويل , وتعدد القراءات , وهكذا فللدين رجال يحرسونه , وللسياسة رجال يخوضون في مستنقعاتها , ولجسد المرأة رجل كالمِبرد . كل انسان لديه حاجات اساسية يحاول اشباعها بالطريقة التي تسبب له الاطمئنان , والراحة النفسية , ان الانسان بحاجة الى اشباع حاجاته الاجتماعية / العلاقات العاطفية / العلاقات الاسرية / اكتساب الاصدقاء , وفي حالة عدم تحقيق واشباع هذه الحاجات يصبح عرضة للعزلة والاكتئاب والقلق , وهذه كلها منغصات تقلق الانسان , فيقوم بعملية تنفيس لهذه الضغوط والازمات, بالطرق التي يراها مناسبة ومتوفرة , هذه الازمات والضغوطات النفسية تترافق مع حدوث ازمات تعمّ البلد كالحروب مثلا , هنا يحاول الاديب الذكي والمبدع ان يترجم لنا مشاعر الاخرين بأسلوبه الخاص , وبتجربته في مجال ممارساته الكتابية وثقافته , فيبعث لنا رسالة تتجلّى فيها رساليته الانسانية والجمالية في كتاباته , وهذا ما تلمسه شيخنا المندلاوي , وبدا واضحاً في في ماتنشره كاتبتنا الشامية .

يستمر الشيخ المندلاوي الجميل بألتقاط الومضات التي يصفها بالمذهلة , مما تكتبه ملهمته ويتذوق ويريدنا ان نتذوق معه تلك الومضات , و يضفي عليها الحركه والإحساس المشبع , والحقيقة ورغم بساطة المشهد , فهو تكثيف واختزال بحرفية ,لا يأتي بها سوى الكبار أمثاله , حين يقول :

والكاتب المبدع يختار جزءا من الواقع قد يكون نباتا او جمادا فيقوم بأنسنته بايجاد علاقات بينه وبين مايحيط , وقد تكون تلك العلاقة متخيلة ولكن على نحو يقترب من العقلنة فيكون لذيذا .

ذلك هو الشغف اللامتناهي المتأتي من سحر صاحبنا بنتاجات صاحبته , حين يغتاله الأعجاب , ويسألنا : هل تغلغلت رمزيتها الى نفوسنا وقلوبنا ؟

حيث ان الواقعيةُ السِّحْريةُ لَيْسَتْ عمليةَ رَش للسُّكَّرِ على مَوْتِ الواقع , وإنَّما هي منظومة لِجَعْلِ الأحلامِ مَرئيةً في مَرايا الحياةِ اليوميةِ , وخرائطِ النَّفْسِ الإنسانية , مِن أجْلِ تَحريرِ التجاربِ الإبداعية مِن سَوداويةِ الواقعِ , وتحقيقِ التوازنِ بَين الألَمِ والأمَلِ . كلاهما يتشبث بالأمل , رغم ان الفيلسوف الانجليزي فرانسس بيكون يقول : إن الأمل هو فطور جيد , لكنه عشاء سيء , وهكذا لما كان ابن الرومي قد قال : بعيداً على قُرْبٍ قريباً على بُعْد , هاهو صاحبنا سيد كل الكلام , يبقى ممتزجا معها بالروح حد الضجيج , ولو ساد الصمت الاعظم , كلاهما يؤمنان ان النهر عائد لمجراه مهما تاه وانحرف , وان حمامة السلام لا تحرر وطن , والساكن لا ينتج قطعا حتى وان لم يك ميتا , وكلما خفتت نبضات حروفها شعر بأنه ليس على ما يرام , لن أزيد على هذا , يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .

تعليقات

أحدث أقدم