خواطر في المترو

مشاهدات



د.ضرغام الدباغ


في برلين، من الأفضل لجهة الرخص والسرعة، وتجنب الإرهاق العصبي أن تستخدم المواصلات العامة، وأجزم أن برلين واحدة من أفضل مدن العالم في المواصلات العامة (بمجموعها وتنوعها) إن لم تكن أفضلها فعلاً . المواصلات العامة (داخل المدن) تتألف من :


مترو الأنفاق، وهو قطار يسير تحت الأرض، وقطار يسير على سطح الأرض ويسمى (سكة الشارع) أي الترامواي، وهناك قطار معلق يسير على جسور ترتفع عن الأرض بحوالي 15 متراً ، ومجموع الخطوط التي تسير عليها هذه الوسائط الثلاثة هي (47) خط، بعدد محطاتها (1139 محطة) ، وبإجمالي طول يبلغ أكثر من (672) كيلومتر ..! هذا عدا عن أن هناك شبكة كثيفة من خطوط الباصات(214) خط، وعدد مواقف الباص (6452) موقف بإجمالي (1675) كم و (1379) باص من ذات الطابق الواحد، أو ذو العربتين المتصلتين ببعض، أو من ذات الطابقين....! المواصلات موضوع شيق، وكل علماء الاقتصاد يجزمون، أن لا تنمية اقتصادية وإنسانية بلا شبكة مواصلات عامة، كفقرة أساسية في البناء الارتكازي.. وأجرة الركوب زهيدة قياساً إلى الدول الأوربية المجاورة مثل كوبنهاغن أو باريس، أو لندن أو أمستردام، وللمتقاعدين والبطالة والطلبة أسعار تذاكر مخفضة، وبوسعك أن تقتني بطاقة أسبوعية أو شهرية، كما بالمقدور الأشتراك السنوي، وهنا تحصل على تخفيض لمدة شهرين من الاستخدام المجاني، أي أنك تحصل على 12 بطاقة شهرية، ولكنك تدفع ثمن 10 فقط .


وبعد مرور فترة من الزمن، من استخدام المواصلات العامة، وخاصة المترو ستصبح على دراية تامة بكل محطاتها تقريباً وتتنقل بكل سهولة وراحة وسرعة ومحطات القطارات تنقلك من شمال المدينة إلى جنوبها، ومن شرقها لغربها في مدينة عملاقة، كبرلين بسكانها بين 5 ــ 6 مليون نسمة، هي أكبر من باريس من حيث المساحة بثمان مرات، وأقل من حيث السكان بنسبة النصف ... وأذكر يوماً، أن قائداً سياسياً (ص) أراد أن يثبت بساطة تفكير أحدهم (س) في مجلس يضم العديدين منهم، فسأل (س) : يا أخ س كنت في موسكو فكيف وجدتها ... فأجابه (س) ولم يكن يقدر أن ذلك كان عبارة عن كمين له، أجاب : والله كانت باردة جداً، والثلج للركبة، وبالكاد الأذن والأنف تتجمد...! بالنسبة لي يمثل استخدام المترو والقطارات متعة، متعة أني أشاهد مناظر عجيبة وأكون ملاحظات، وأفكار، وأصادف حالات إنسانية لا تشاهدها لا في فلم سينمائي ولا كتاب أو مجلة. فأنت تشاهد أطفال في مرحلة الروضة ومعهم معلميهم، يتعلمون بدقة تامة استخدام الوسائط العامة، لذلك تلاحظ الشعب الألماني بأسره يقوم بنفس الحركات وكأنه تلقى تدريب الجنود على ذلك، ومنها أن الراكب عندما يهم بالترجل من واسطة النقل وينهض، يتفرس مكانه بدقة، كي لا يكون قد ترك شيئاً أو سقط سهواً من جيبه. أنا كنت أسخر منها، ولكني تعلمتها بمرور السنين ...!


ومن المشاهد التي ألاحظها، هو عدد النساء والرجل في الوسائط العامة، فأنك قد تلاحظ أن نصف عربة القطار من السيدات، وحتى ساعات متأخرة من الليل، وهذا يعني أن المجتمع ليس ذكورياً، ثم عدم أن المرأة لا تخاف من التنقل ليلاً وهذه ملاحظة ثانية، أو أن الحياة والعمل متواصل لساعة متأخرة، ثمة ملاحظة أخرى، أن نسبة النساء اللاتي يستخدمن الوسائط العامة أكثر من الرجال . هناك ظاهرة أخرى لاحظتها، هي أن لا يقل عن 40 ـ 50% من الناس لا ينفكون عن العمل بالهاتف الخلوي (الموبيل) وأن أكثرهم من النساء، وغالباً هواتف من نوعيات ممتازة وباهظة الثمن، فهذا يعني كثرة المشتركين بالهاتف المرتبط بالانترنيت، وهو أغلى سعراً. واستخدام الهاتف بإفراط دعا شرطة برلين إلى معاقبة بغرامة كبيرة (50 يورو) من يشاهد يقود السيارة ويستخدم الهاتف. ولكن التكنولوجيا أحتالت على الأمر واليوم يمكن ربط الهاتف براديو السيارة أو بجهاز مستقل، ليس من الضروري أن يحمل الهاتف بيده. إن كنت من مستخدمي الوسائط العامة، فسيكون بوسعك معرفة أي الساعات تكون فيها الوسائط أكثر أزدحاماً، ومتى تبدأ برلين في العمل. الوسائط العامة تبدأ الساعة الرابعة صباحاً، وحتى السادسة هناك أزدحام . طبعاً جداول القطارات والمواصلات لا تتغير على مدى سنوات، وبإمكانك أن تضبط ساعتك على وصول القطار ونادراً ما يتأخر لبضع دقائق، ولا يضيع العمر وهو ينتظر الذي يأتي ولا يأتي ...... إن كنت تعيش مع الناس ستفهم مجتمعك أفضل، وتتعلم الحياة وكم وجه لها ..! التعرف على البشر تزيدك خبرة، ولكن كل هذا بشرط ...... أن تكون دقيق الملاحظ تتمتع برؤية سليمة، وتفكير صائب يتجه صوب الملاحظات المفيدة ..... وبعد .... قرأت أن صبي من اللاجئين السوريين ممن لمن ساعده الحظ ولم يصبح في قاع البحر فوصل للسويد، اليوم لعب في منتخب السويد (تحت سن ال 16) ويلقبونه بجوهرة السويد ........ يا فرحتنا ..! لا تحزنوا.. التراكم سيوصلنا لنتيجة ... تمنياتي لكم بمواصلات سعيدة ...

تعليقات

أحدث أقدم