مقامة التدفق :

مشاهدات


صباح الزهيري


أختنا المغتربة كتبت (( الواحد اليوم يتفرج على التلفزيون صباحا , ينحرك دمه قهر على افواج النازحين العائدين لغزة , اويلى الوطن غالى , هذول مادرى واحد يشوف ويسكت ؟ يطك ياربى فدواتك , اكره الاذى والشر , شنو ذنب هالناس والله الواحد هيطك من رؤية هالمناظر الصعبة , تعبنا ليش البشر مؤذية , وليش ميعيش الكل بسلام ؟ والله حرام كرهت حياتى ومابيدى شي )) . ياللوعتك أختنا , ترى من يُعيد ترتيب النشيد حين تختلط  الآهات بالنغمات ؟ ومن يُخبر الشجرةَ أن في جذورها تسكنُ كل الغابات ؟ يقول د . بسام البزاز : يعودون , إلى الخراب وإلى الدمار, لكنّهم يعودون إلى الديار, هنيئا لكم عزّة أنفسكم , هؤلاء المتدفقون , الأبطال الفلسطينيون أدهشوا العالم بصمودهم الأسطوري وبالتمسك بوطنهم , ويؤكدون ماكتبه د . يوسف دعنا : دون أبطال وشهداء , لا يوجد لديك مشروع حركة تحرر ثورية , او كما قال قسطنطين زريق : اليأس أحدى الراحتين , الأخرى هى الموت , ولإضاءة ما تم تعتيمه , لا تعتبروا التراجع نكوصا , قد يكون للقفز بشكل افضل . 

من نحن ؟ سؤالٌ تردّده الرياحُ في فجوات الجبال , وتنساهُ في أول صدى , والعالمُ رقصةٌ عمياء ,  كل خطوةٍ فيها تبحث عن ظلِّ الخطوةِ الأخرى, لكن من يحمل النغمةَ  حين تنكسر الأوتار؟ ومن يروي الحلمَ حين يجفُّ في عروق النوم ؟ وفي البعيد الذي لا يُرى , حيث تمتزج الصرخات بالصمت , وتلتفُّ الألوانُ حول عري الحكايات ,  ثَمَّةَ مدينةٌ لم يُخلق لها باب , وحكايةٌ دون كاتبٍ أو بداية , هناك , الأحجار تنمو كالزهور , تضحك الرياح بلا شَفَتَيْن ,  والشمسُ , ليست شمسًا , بل رغبةٌ دافئةٌ تطوفُ الأرواح . يقول محمود درويش : إذا أخذني الموت ولم نلتقي , فلا تنسى أني تمنيت لقائك كثيرا , ومازلتُ أبحث عن شيءٍ حين ضاعَ ضيّعني , وكأنه يناغي جلال الدين الرومي : ضاع في أثارهم قلبي , فلا معهم قلبي ولا قلبي معي )) , في تلك الأرض  التي لوعتنا , الليل فيها , ليس ظلامًا , بل حقلٌ تتساقط فيه النجوم كسنابلَ مثقلةٍ بالخلود , ووسط هذا الغموض , تتفتح نافذة في اللازمان , يخرج منها نورٌ , لا يشبه النور,  بل هو نسيج من حلمٍ لم يُكتَب بعد ,  يدعوك لأن تخطو , لكن قدميك تبقيان مسمّرتين ,  كأن الأرضَ تناديك أن تبقى شاهدًا , على جنونٍ لا يُدرَك , وعلى صمتٍ أعمق من الحياة. لا تجلسُ الأرواحُ على مائدة الزمن ,  يتقاسمون فتات الوجود ,  كلٌّ يسأل : هل نحن حقيقةٌ تعبت من نفسها ؟ أم خيالٌ فقد مبررَ الخيال؟ وفي الزاوية , ينتصب هيكلٌ زجاجي , يسكنه قلبٌ يئنّ بلا سبب ,  يحاول أن ينبض , أن يُفسّر, لكن الزجاج يظل شفافًا , يُظهر الفراغَ الذي يبتلع الحكاية , وفي النهاية , يأتيك همسٌ من المجهول : 

لستَ أنت السائر , 
ولا الأرضُ وجهتك , 
أنت الحلم الذي يُبحر , 
والكونُ الذي يراقبك , 
هو الساكنُ فيكَ , 
فيمضي العابرون , 
دون أن يعرفوا هل كانوا أحياءً يبحثون عن الموت , 
أم أمواتًا يحلمون بالحياة ؟ 
لا جواب , 
فكل الأسئلة هناك , 
تُبنى كالجُزر في بحرٍ بلا شطآن , 
تغرق حين تحاول أن تبحر , 
بعض الّنهاياتِ مُرّةً كالقَهوة , 
ولكنّها تجعلُكَ شخصاً مُستيقظاً , 
مُتنبهاً ,  
فقف على ناصية الحلم وقاتل , 
كل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة , 
فلا تندم على حرب أنضجتك , 
وأنا مازلت حيّـا , 
وأؤمن بأنّي سأجد الطَّريق يوماً ما إلى ذاتِي , 
إلى حُلمي , 
إلى مَا أريد , 
فبعضِي لديّ وبعضِي لديك , 
وبَعضي مُشتاقٌ لبعضي , 
فهلّا أتَيتْ ؟ 
وبي أمل تأتي ويذهب 
, لكن لن أودعه , 
وكن صبوراً , 
فعلى هذه الأرض مايستحق الحياة .

تعليقات

أحدث أقدم