مشاهدات
د. سعد الدوري
مرّة أخبرنا ضابط صَديق طفولة - (حِكايةً) جَرت معه مع (جُندي شيعوي) - أيام السنوات الأولى مِن (قادسية صدام المجيدة) - وَسننقُل (حكايته) كما هي .. حيثُ قال :
[ يا أخي لقد عَجزتُ مِن تَفنيد حِجّة جّندي "شيعوي" في وِحدتي العسكرية - كان مثقفاً ضَليعاً في ثقافته الدينية والعامة .! يوماً قَد حَضرّ هذا (الجُندي) أمامي لِيستلم إجازته الدورية ! ... * فقُلت له - سأمنحك إجازة إسبوع إضافي- لو أجبتنّي إجابة مقنعة علىٰ سؤال يدور في رأسي عن "صلاة الشيعة " ! وإن لَمْ تَقنعنّي سَوف لا تَتمتع حتىٰ بإجازتك الدورية ..إتفقنا أم لا ..؟!
فأجابنّي إسأل ياسيدي ما شِئت .!
قُلت لهُ لماذا (تُسبِّلُون) اليَدَّين ، ولا (تَتكتفُون) مثلنا مِثل عموم وغالبية المُسلمين ..؟!
كان (الجندي) المَسؤول - واقفاً في وَضع "الإستعداد العسكري" عند السؤال .. وفي لحظة - وبغتّة- رأيتهُ كَتف يَدَّيه.. ودَنىٰ رأسه نحو الأرض وبَدا مُتراخياً .! فُوجئت مِن حركته تلك السريعة وأنني للتو كنت فد تَوجهت لِسؤاله.. فظننتُ أنه يَسخر منّي .. فَصرخت به غاضباً - هَي .. هَي - ما الذّي أنت فاعِلهُ - إحترم !!
فَسُرعان ما أجابنّي- هل رأيت يا سيدي - أنت (عبد لله) .. ومُجرّد في منصب ضابط (آمر سرية) في الجيش .. ورَفضت ”تَكتُفي“ أمامك .. وغَضَبت .. وقُلت صارِخاً -إحتُرم ..! فكيف الحال وأنتَ تَتكتَف أمام الله مالِك المُلك - ألا تَخشُون ياسيدي - أنتم السُنّة غَضب الله ..! فَمنْ (يَتكتَّف) يا سيدي - صلاته باطلة - لأنه لايحترِّم الله خالِقه) ! ثم نظر إلي بتركيز كَمنتصّر - وقال - ها ياسيدي - هل أستحق ما وَعدت من إجازة ..؟! وَقعتُ إجازته - وَقُلت له إذهب لقد "غلبت" ..] إنتهت الحكاية ..
في الحقيقة أثارتنا "حكاية" هٰذا الأخ الضابط الذي قال أنهُ أُصيب (بالعَجز) عن إجابة "جُنديه الشيعوي المثقف الضليع" - فأخذتنا حالة مِن الضِحك المستمر بِتهكُم - مع تَردِيدَّنا عبارة - (لا أله الا الله ولاحول ولاقوة إلا بالله) ولِعدة مرات .! ظنَّ صاحبي الضابط ضَحكنا إستغراباً من قوة حِجّة (جُنديه) - فتوجه ليسألنا بالقول - « أرأيت كيف أتاني " الشيعوي"ببرهان حَيرَّ عقلي وألجمنّي عَن الجواب» ..! فِعندها قلنا لهُ - لقد أعجزّك وألجمّك أَنت .. لا نَحن ! * فلو كُنت تَعرِّف مَعنىٰ قَول الله تعالىٰ - ﴿قَدْ أفلحَ المُؤمنُون الذينَّ هُم في صَلاتهم خَاشعُون﴾ .. ما كان جَنديك "الشيعوي" بحركة "صعلوكية" غَلبّك .! ماذا جرىٰ لك يا أخي هل توافق - الذّي يقف بين يدي الخالق ليُصلّي أن يكون في وضعية (جندي مقاتل) ..؟! هل سَيقف امام الله لِيعبُده مطيعاً خاشعاً ذليلاً راجياً ..؟! أم علىٰ خَط جبهة قتال مع الله ..؟! ثُمَّ قلنا له - تتفق جميع تفاسير الفقهاء والعلماء وأهل اللغة في أن - (الخاشعون) في الآية - يعنّي - حالة مِن مَخافة روحية يَخضع لها القلب وَقَشعرّة لطيفة تُصيب البدن - وينذَّل العابِد وهو يُصلي أمام العَظيم الجَبار - جلَّ جَلاله .. تِلك (المَخافة) التي تنعكس علىٰ جميع جوارِح العبد وهو يُصلي ، فَيركُن الىٰ سُكون وتَذلل ..! فلو كُنا في موقعكُم لَحرمنّا (جُنديك الصعلوك ) مِن إجازته .. لأنّهُ - وَقع في كُفر وهو يُؤمن بالوقوف أمام الله بهيئة "جندي" مُستعد لِلقتال ..! فيا وَيلّه مِن الله و يا وَيحَّه !! فَهل هو ذاهب للقتال مع الله حينما يرتأي الوقوف أمام الله في حالة الجندي المُسبّل اليدين وشاداً بِقبضتيه ! ألم يَفقه كيف وَصف الإمام (علي) وبقية الأئمة ماهية (الخُشوع) عِند الصلاة -(خاشعون)- أي خائفون ساكِنون !
ثم قلنا للضابط الصديق -ناصِحِين- إياك أن تسأل يا صديقي - في أمر بِتحدِّي .. وأنت غَير مُلم به .! وإن سألت - فأسأل كمُستعلِّم .. لا كمُتحدي .! أدمعت عَينا صاحبي - وقال - أخطأت .. أخطأت .. أسأل الله أن يُسامحنّي ..! بعد ذٰاك اليوم ما إلتقينا بِصاحبي الضابط .. إلا والقُرآن صاحِبه في قلبه .. ومُبدعاً في هَضم آيات الله .. وَ بعد مُضِّي سنتين .. إستشهد في جبهة القِتال ضِدَّ الفُرس .. رَحِمّه الله - والقرآن في صَدرّه فِهماً وَتَدبُراً لا حِفظاً عابرا .!
إرسال تعليق