وثائق رفعت عنها السرية : المقاومة العراقية في الفلوجة أعادت بوش إلى الواقع بعد أن كان يزعم أنه في “مهمة من الله”

مشاهدات


قال مسؤول أمريكي كبير في وثائق سرية كشف عنها الأرشيف الوطني البريطاني الثلاثاء بأن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كان يعتقد أنه كان في “مهمة من الله” ضد المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة بعد احتلال العراق عام 2003. بيد أن المقاومة العراقية والرسائل السياسية من قبل السياسيين والقادة العسكريين أعادته إلى الواقع . وفي محادثة صريحة بشكل مدهش، مسجلة في وثيقة تحمل علامة “الرجاء الحماية بعناية شديدة”، قال ريتشارد ريتش أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي لديفيد مانينغ، السفير البريطاني آنذاك، إن بوش كان بحاجة إلى “جرعة من الواقع” بعد مطالبة القوات الأمريكية “ بالقيام بكل ما في وسعها” في الفلوجة، حيث كانت القوات الأمريكية منخرطة في معركة دامية مع مقاومين عراقيين بعد تعرض أربعة متعاقدين عسكريين خاصين لكمين وقتلهم . وناشد أرميتاج رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير أن يستخدم نفوذه في زيارته المقبلة إلى واشنطن في السادس عشر من نيسان لحث بوش على التعامل مع الفلوجة “كجزء من عملية سياسية مدروسة بعناية”. وأفاد مانينغ لمكتبه بأن بوش تراجع عن كلامه بعد أن “واجه هذه الجرعة من الواقع”. ولخص أرميتاج الأمر كله بقوله :

إن بوش ما زال يعتقد أنه في مهمة ما من الله . ولكن الأحداث الأخيرة جعلته “أكثر رصانة إلى حد ما”. في إشارة الى شراسة المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة. وكشفت تصريحات لاحقة بأن بوش قال لوفد فلسطيني في عام 2003 إن الله تحدث إليه وقال له “جورج، اذهب لمحاربة هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان” و”جورج ، اذهب لإنهاء الطغيان في العراق”. وكان بوش قد أعلن في وقت سابق أن “المهمة قد أنجزت” بعد الإطاحة بصدام حسين على يد قوات التحالف الأمريكية والبريطانية . ورفض أرميتاج مزاعم القائد العام للقوات الأمريكية في العراق الجنرال جون أبي زيد بأنه قادر على إخماد مقاومة الفلوجة خلال أيام ووصفها بأنها “هراء” و”فظاظة سياسية”. ويعتقد أرميتاج أن الولايات المتحدة “تخسر تدريجيا في ساحة المعركة” وأن إرسال المزيد من القوات إلى العراق أمر “حتمي”، وهو ما سيكون “قبيحا سياسيا” بالنسبة لبوش، حسبما ذكر مانينج . وكشفت وثائق حكومية بريطانية رفعت عنها السرية حديثا ونشرت الثلاثاء عن غضب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وحكومته من الرئيس الفرنسي جاك شيراك بسبب عرقلة العمل العسكري في احتلال العراق عام 2003. وأظهر محضر اجتماع طارئ لمجلس الوزراء في السابع عشر من آذار 2003، بعد أسبوع من إعلان شيراك أنه سيستخدم حق النقض ضد أي قرار يوافق على عمل عسكري في العراق، أن الوزراء البريطانيين توافقوا على أن “الموقف الفرنسي قوّض آلية الأمم المتحدة لفرض إرادة المجتمع الدولي”. وقال بلير خلال الاجتماع، وفقا للوثائق التي نشرها أخيرا الأرشيف الوطني “بذلنا قصارى جهدنا” لكنّ الفرنسيين “لم يكونوا مستعدين لقبول واقع أنه إذا لم يمتثل الرئيس العراقي صدام حسين لالتزامات الأمم المتحدة، سيتوجّب القيام بعمل عسكري”. وانضمت بريطانيا إلى العمل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة لإطاحة صدام عام 2003 رغم المعارضة الشرسة في البلاد لذلك، فيما شدّد بلير على الاتهامات التي طالت الرئيس العراقي وقتذاك بتخزين أسلحة دمار شامل . وقد تبيّن فيما بعد أن تلك الاتهامات التي غذتها إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش ملفقة وغير صحيحة . وطالب رئيس بعثة الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق هانز بليكس الحكومة في بغداد بـ “رفع دعوى قضائية” ضد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية . وقال بليكس ان التقارير التي خرج بها عام 2003 وقبيل غزو العراق اثبتت ان العراق لا يملك أسلحة دمار شامل ولا حتى القدرة على انتاجها، مبينا ان الادارتين الأمريكية والبريطانية أغلقت التحقيق بعد ثلاثة اشهر فقط ، الامر الذي اضعف من قدرة البعثة الأممية على التحقق من الادعاءات التي اطلقوها عن امتلاك العراق أسلحة محرمة دوليا. وبحسب الوثائق، قال وزير الخارجية آنذاك جاك سترو لمجلس الوزراء “في الواقع، واحد من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحبط العملية برمتها”، واتهم شيراك الذي توفي عام 2019، باتخاذ قرار “فتح فجوة استراتيجية بين فرنسا والمملكة المتحدة”.

وخلال اجتماع بعد ثلاثة أيام، قال سترو إن شيراك “يبدو أنه يطرح نفسه… (ليكون) زعيما لجانب واحد من العالم الثنائي القطب الذي يدعو إليه”، على عكس العالم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة . لكن في اجتماع السابع عشر من آذار، قيل للوزراء إن حكومة حزب العمال “كانت مدفوعة برؤية عالمية تعزز العدالة والحكم الرشيد والتعددية، وهذا ما يميزها عن الحكومات الأخرى في العالم المتقدم”. وجاء في الجزء الأخير من محضر الاجتماع “ في الخلاصة ، قال رئيس الوزراء إن العملية الدبلوماسية وصلت الآن إلى نهايتها، سيوجّه تحذير نهائي إلى صدام حسين كي يغادر العراق، وسيطلب من مجلس العموم الموافقة على عمل عسكري ضد العراق لفرض الامتثال، إذا لزم الأمر”. وانضمت بريطانيا إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في العشرين من آذار 2003، رغم تنظيم حوالي مليون شخص مسيرة في لندن احتجاجا على تدخل عسكري . وتسبّب غزو العراق والحرب اللاحقة في إضعاف شعبية بلير التي وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد صدور تحقيق تشيلكوت المستقل بشأن الحرب في العراق الذي خلص عام 2016 إلى أن بلير ضخّم عمدا التهديد الذي يشكله النظام العراقي . وأعرب بلير عن “الأسف والندم” على الأخطاء التي ارتكبت في التخطيط للحرب، في حين قال أليستر كامبل، رئيس مكتبه الصحافي وقتذاك، إن القرار “أثقل كاهله بشدة في بقية أيامه”. ولا تزال حرب احتلال العراق تطارد السياسة العالمية وتهدد التعاون الدولي العابر للحدود. ومثلت حرب احتلال العراق هجومًا مباشرًا على النظام الدولي القائم على القواعد من قبل بوش مهندس الحرب الرئيسي. عندما شن حربًا لم يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وازدرت إدارة بوش بدعم من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إطار عمل الأمم المتحدة المصمم لمنع الحرب بين الدول. وقوضت المعايير الأوسع لسيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتغيير الأنظمة الوطنية بالقوة . وأثبت احتلال العراق صحة الشكوك بأن النظام الدولي الحالي يعمل كأداة لفرض السياسة الغربية على الدول الأخرى، وليس كإطار محايد للتعاون العالمي . ووصف بلير في كتابه الأخير ““عن القيادة: دروس للقرن الحادي والعشرين” القيادة بفن غامض وخطير وشديد الأهميّة، ويضع مجموعة مواصفات للسياسي القائد، وبطبيعة الحال ليس “الكذب” أحدها كونه يرفض تأكيد الحقيقة التي التصقت به عن البحث العقيم عن أسلحة الدمار الشامل التي زعم مع بوش بها وكانت إحدى الذرائع التاريخية الشائنة لاحتلال العراق عام 2003. لا يحب بلير التحدث في تفاصيل هذه الكذبة الخاوية في كتابه الجديد “عن القيادة”، بذريعة أنه سبق وأن تناول ذلك في مذكراته “رحلة” التي صدرت عام 2010! وهكذا يستمر في سياسة “الأذن الصماء” الصلفة كلما أدين بكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية. وقال الكاتب العراقي كرم نعمة “بلير لا يستطيع أن يحمي أرثه الذي أصبح كخرقة بالية مبللة بالنفط، فالحقائق تظل حقائق . ولكن اللون، والتفسير، وتأطير الدوافع والتأثيرات، كل هذه هي الأحكام، ولن تكون في النهاية مؤثرة عندما يخلص التاريخ لجوهره”. وأضاف “بلير مدان ليس بالكذب وحده، بل ما ترتب عليه من مقتل أكثر من مليون عراقي وتدمير وطن، بيد أنه مازال مصرا على أنه مع بوش أسهما بتحويل العراق إلى واحة للديمقراطية والعالم بات أفضل بعد احتلال العراق عام 2003”!

تعليقات

أحدث أقدم