تحرير العراق هو الطريق الوحيد لإستقرار المنطقة وجهة نظر اقتصادية

مشاهدات



د.محمود خالد المسافر


لقد كنا نكرر دائما ان المنظومة الحاكمة في العراق إنما هي أوهن من بيت العنكبوت، ولولا التوافق الإقليمي والحماية الدولية لما استمرت عشرين سنة وتزيد . وان بشائر رفع الحماية الدولية قد بانت، وإن التوافق الإقليمي يتكسر اليوم، ولن يكون لهذه المنظومة المسخ أي مسوغ لوجودها . ان العراقيين لوحدهم قادرون على تغيير هذا النظام وأنهم قادرون على أن يحافظوا على وحدة أراضي الدولة ووحدة الشعب العراقي التي هي مفتاح استقرار المنطقة . ان رجال وماجدات العراق لقادرون، بما لديهم من شجاعة وحكمة، أن يحافظوا على إرث العراق الثقافي وموارده وثرواته البشرية والمادية. ان العراق وهو بحاجة اليوم إلى استقلاله الاقتصادي والسياسي فهو أيضا بأمس الحاجة إلى بناء علاقات إقليمية ودولية مبنية على أساس تبادل المصالح التي تضمن بقاء هذا الإقليم بعيدا عن الصراعات الدولية أو على الأقل يخفف من أثر الصراعات الدولية على الإقليم. أن وجود عراق مستقل مهم جدا ليكون فاعلا سياسيا واقتصاديا مهما في حل المشكلات التي يعاني منها الإقليم منذ قرن من الزمان . وأصبح من الواضح جليا لكل ذي لب أن تراجع العراق عن أداء دوره الإقليمي أدى إلى انهيار منظومة الأمن في المنطقة مما أدى إلى تزايد شهية الدول والأنظمة ذات الأفكار التوسعية مثل إيران التي استباحت الإقليم وتجاوزت شهيتها الإقليم لتتواجد وبقوة في افريقيا وبعض دول آسيا الوسطى وجنوب شرقي آسيا.

لقد كان العراق سدا منيعا أمام تجارة المخدرات الدولية وكان جدارا يفصل بين إيران المنتج والتاجر الرئيس للمخدرات في المنطقة وبين الدول في جنوب وغرب العراق وشماله. لقد حقق التحام الأرض العراقية بالنفوذ الايراني اكبر عملية تكامل اقتصادي سلبي شهدتها صناعة وزراعة وتجارة المخدرات في التاريخ الحديث. إذ انتشر الإنتاج من الجنوب اللبناني وأراضي متفرقة من سوريا إلى أراضي جرف الصخر في العراق الى إيران وحتى أفغانستان . ووفرت هذه الاراضي الشاسعة والامكانيات الكبيرة للدول التي سُخرت للمشروع الايراني، الأجواء اللازمة لما يسمى بالانتاج الوفير للمخدرات بأنواعه المزروعة والمصنوعة والتي تجاوزت حاجة الإقليم (العراق، الاردن، سوريا، لبنان، العراق، الخليج العربي، أفغانستان، اذربيجان، باكستان، تركمانستان وتركيا) لتذهب بعيدا لتكون مصدرا دوليا للمخدرات. لقد اجتاحت المخدرات الإيرانية دول آسيا وأفريقيا واستراليا وأوروبا وأصبحت تنافس اكبر واعتى مافيات المخدرات في العالم . وكان كل ذلك يتم وعلى نحو مباشر تحت الإدارة المباشرة للحرس الثوري الإيراني وقائده قاسم سليماني. ان عودة العراق الى حظن أهله يعني أن هرم هذه التجارة العملاقة سينهار وستفقد إيران ميزتها النسبية فيها، وسيكون موضوع تهريبها عبر الحدود باهظ الثمن، وستكون المخدرات الإيرانية اغلى من نظيراتها الإقليمية والدولية. وبذلك سيجرد تحرير العراق من النفوذ والاحتلال الايراني إيران من أهم مواردها الاقتصادية بعد النفط. والذي كان أكثر أهمية من النفط على مدى العقد الماضي عندما فرضت الولايات المتحدة عقوباتها على إيران والتي طالت صناعة النفط كما طالت الصناعات الأخرى. وفضلا عن أهمية الجغرافية العراقية لتجارة المخدرات الإيرانية، فإن موارد الاقتصاد الإيراني اعتمدت كثيرا على موارد نظيره الاقتصاد العراقي ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
1. لقد فُرض على العراق أن يستخدم الغاز الإيراني المحظور دوليا في إنتاج الكهرباء العراقي المحدود.
2. ان سوق العملة العراقي مُسخر بالكامل وتحت إشراف الإدارة النقدية العراقية لتمويل المشتريات الدولارية للاقتصاد الإيراني.
3. مارست الميليشيات الولائية في العراق ابشع الأدوار في إيقاف عجلة الإنتاج الزراعي من خلال حرق المزارع ، وإيقاف تدفق المياه للأراضي الصالحة للزراعة، وتسميم الأحواض السمكية، وتجريف الأراضي الزراعية، ومصادرة الأراضي وتركها لتبور ، والتغيير الديمغرافي الذي يبعد أصحاب الأراضي عن أراضيهم، وكل ذلك قابله اغراق السوق العراقية بالخضروات والمنتجات الزراعية الإيرانية.
4. إيقاف عجلة الصناعة، بإيقاف سياسة الدعم الصناعي التي كانت تتبعها حكومات ما قبل الاحتلال، واتباع سياسة محاربة المنتجات الوطنية، واتباع سياسة طاردة للاستثمار بشقيه الوطني والاجنبي. مما فتح الطريق للمنتجات الصناعية الإيرانية منخفضة النوعية.
5. لقد مارست السلطة العميلة في العراق وعلى مدى عشرين عاما، تحديدا من دورة نوري المالكي الاولى والى اليوم، على افراغ الخزين والاحتياطي الدولاري الاستراتيجي. إذ أن نوري المالكي لوحده متهم بسرقة ما يزيد على 300 مليار دولار لصالح إيران.
6. لقد قامت الإدارة الاقتصادية الفاشلة للمنظومة الحاكمة في العراق بتحويل العراق من دولة منتجة إلى دولة مستهلكة، وشجعت على تحويل الشعب العراقي الى مستهلك من خلال تشجيع بناء المولات والقطاع الخدمي على حساب الصناعة والزراعة. ولذلك فإن العراق شهد تضخما كبيرا لقطاع الخدمات على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى.
7. ومن أجل تكبيل العراق وتعويقه عن أداء دوره الاقتصادي التنموي فقد انتهجت الحكومة أو الإدارة الاقتصادية للدولة طريقين: الطريق الاول كان في محاربة القطاع الخاص بكل الوسائل وجعله لقمة سائغة لمافيات الرشوة والفساد الاداري والمالي. مما شجع على هجرة الأموال الوطنية وكذلك تهريب الأموال الناتجة عن الفساد المالي والإداري والتي قدُرت بما يزيد على ال 500 مليار دولار. وأما الطريق الثاني فكان عبر منفذ سياسة التعيين المجنونة في القطاع العام والتي أدت إلى تضخم اعداد المعينين في دوائر ومؤسسات القطاع العام حتى وصل مخصص الرواتب في ميزانية الدولة إلى ما يزيد على 65% من الناتج المحلي الإجمالي وهذا الرقم يعتبر من أعلى المعدلات في العالم. أدى ذلك إلى إضعاف قدرة الإدارة الاقتصادية في العراق للقيام بواجباتها التنموية. وتحول اغلب المتعلمين في المجتمع إلى ما تسمى بالبطالة المقنّعة. وبدلا من أن يشارك الخريجون والمتعلمون في نهضة العراق التنموية أصبحوا عالة على موارده النفطية.
8. ومن أجل أن تأخذ إيران دورا متميزا في المشروع الصيني "الحزام والطريق" فقد دفعت المنظومة الحاكمة في العراق لتوقيع اتفاقيات مع الصين ظاهرها جيد وباطنها تكامل اقتصادي سلبي مع الاقتصاد الإيراني من أجل تحقيق أهداف صينية - ايرانية بعيدة عن مصلحة العراق ومحيطه الجغرافي. إذ ارادت الصين تأمين طريق رخيص الكلفة إلى البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى اوربا، وبدلا من أن يكون العراق شريكا حقيقيا في هذه الخطة الاقتصادية العملاقة تم تحويله إلى طريق تُدفع تكاليفه إلى إيران ذات النفوذ في العراق.
9. وأخيرا فإن المنظومة الحاكمة في العراق وباوامر من ايران سلمت الإدارة الاقتصادية للدولة، والتي كانت دائما حكرا على الحكومات العراقية ما قبل الاحتلال في عام 2003، إلى المكاتب الاقتصادية للميليشيات الولائية والأحزاب التي اتخذت من الدين عباءة وكذلك للحوزات العلمية والمؤسسات الدينية، فأصبح لكل ميليشيا وحزب وحوزة وعتبة مكتب اقتصادي وحصة من مشاريع الدولة. وتجاوز الموضوع ليصل إلى أن حزب الله اللبناني له مكتب اقتصادي في العراق وله حصة من مشاريع الدولة وكذلك الحوثيين وغيرهم.
لقد أصبحت الجريمة المنظمة التي اجتاحت المنطقة والاقليم تستمد قوتها المالية من العراق وموارده ومشاريعه الاقتصادية. وتمكنت قوى الظلام من التحرك بيسر في السعودية والبحرين والكويت فضلا عن سوريا ولبنان واليمن من خلال المال العراقي، بينما يعيش اغلب العراقيين في فاقة وتقتلهم كل انواع الأمراض المميتة التي انتشرت بسبب الإهمال وسوء إدارة القطاع الصحي وتعرضه إلى جشع المكاتب الاقتصادية التي سيطرت على المستشفيات في العراق كما سيطرت على جامعاته ومؤسساته التعليمية. ولذلك فإن اخراج العراق من دائرة النفوذ الإيراني يعني استقرار للمنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحييد للسياسة التوسعية للنظام الإيراني الذي اعتمد على المال العراقي منذ عشرين سنة في ترويع المنطقة وزرع الفتن فيها وتغيير الثقافة الوطنية والعروبية إلى ثقافة أممية غريبة عن المنطقة وعن ارثها الثقافي. ان العراق وشعبه اليوم يقف على أعتاب تغيير شامل يعيد للعراقيين حقوقهم ومكانتهم بين الأمم ليكونوا كما كانوا أداة مهمة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

تعليقات

أحدث أقدم