معارك الأمس تُحيي خلافات اليوم : هروب من تحديات الحاضر إلى أوهام التاريخ فمتى نواجه واقعنا؟

مشاهدات



سعد احمد الكبيسي 


يستوقفني كثيراً كيف يميل الإنسان، حينما يضيق به الحاضر، إلى الغوص في صفحات التاريخ ، ليستحضر معارك وأحداثًا تجاوزتها القرون وكأنها جزء من حياته اليومية . في عالمنا العربي، وخاصة في العراق، حيث ينشغل البعض بما يمكن تسميته بـ ( الطفولة التاريخية ) . نرى هنا أفرادًا وجماعات يعيدون إحياء أحداث كمعركتي “صفين” و”الجمل” أو الصراع الأموي العباسي، كأن هذا التأريخ الغابر أضحى واقعًا حيًّا ينبض في قلوب الناس، مستدعين خلافات ولّت منذ قرون وكأنها حدثت أمس .


لماذا يتمسك بعضنا بهذه الصراعات القديمة؟ ربما يبرر البعض ذلك بكونه وسيلة للتعبير عن هويةٍ ضاعت في خضم الفوضى والاضطرابات الحالية، وكأن هذه المعارك تمنحهم انتماءً وهروبًا إلى ماضٍ يرونه أكثر ثباتًا من الحاضر . لكنه يظل ترفًا غير مقبول في وطن يعاني من أزمات متصاعدة. إن استدعاء معارك التاريخ دون إدراك لحاجات الناس في يومهم هو إضاعة للجهود في ما لا يثمر، نرى ذلك في العراق، حيث يجد البعض في الماضي بديلاً عن التعاطي مع تحديات اليوم السياسية والاقتصادية، فتظل المشكلات الحقيقية كالفقر والبطالة والفساد معلقة بلا حل، في وقت ينشغل فيه البعض باستعادة مواقف متنازعة انتهى تاريخها منذ أمد بعيد.


الواقع يعج بتحديات تتطلب منا شجاعة في مواجهة الحاضر لا الهروب إلى الأمجاد الزائفة. يحتاج العراق، كما غيره من الدول الإسلامية، إلى توجيه الجهود نحو القضاء على الفقر والجوع والبطالة، وليس إلى إشعال فتيل انقسامات جديدة. وبدلًا من أن نغرق في هوامش التاريخ، علينا أن نركز على التنمية وإرساء الاستقرار، كما فعلت شعوب أخرى كماليزيا التي تجاوزت انقساماتها بالدخول في حوار وطني جامع، استطاعت به أن توحد صفوفها وتنطلق نحو بناء مجتمع تعددي مستقر. فالمجتمعات التي تنهض لا تنشغل بمعارك لا طائل منها، ولا تتطلع للمستقبل من نافذة الماضي الضيقة. علينا أن نعيد توجيه طاقاتنا نحو مستقبل واعد، نحو أمة نخبوية تنتمي كلها إلى التغيير، نحو مجتمع يعمل بوعي ويقف على أرض صلبة . المجتمع التقليدي يسأل : من أنت وما مذهبك؟ والمجتمع الحديث يسأل: ماذا تستطيع أن تقدم ؟



تعليقات

أحدث أقدم