الإختراق التاريخي الشيعي للعراق عبر المؤسسة الحوزوية : الجزء الأول

مشاهدات



العلامة الدكتور حسين عبد القادر المؤيد

لم يكن لما يسمى بالحوزات الدينية الشيعية كمؤسسة للطائفة الشيعية ، وجود في العراق الذي كان منذ تشرفه بالإسلام يدين بمنهج الكتاب والسنة الذي حمل نبراسه للعراقيين الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم . لقد كان العراق ساحة ثقافية وعلمية تلاقت وتصارعت فيها تيارات ومدارس عقائدية وفقهية وفكرية ، إلا أن مدرسة أهل السنة والجماعة بتنوعها المعرفي كانت هي المدرسة السائدة في العراق والتي التزم بها العراقيون عن اقتناع وتربوا عليها جيلا فجيلا على يد الصحابة وتابعيهم وتابعي تابعيهم وهكذا دواليك . وعلى الرغم من أن ولادة التشيع المذهبي كانت في العراق بدء بالفرقة السبئية التي جسدت الإنشقاق الشيعي الأول عن عقيدة الأمة وجماعتها ، وكذلك على الرغم من أن العراق قد شهد على أرضه نشأة التشيع المذهبي ومراحله ، إلا أن الحوزة الدينية الشيعية كمؤسسة دينية للطائفة الشيعية ، ما استطاعت أن تظهر إلا بعد سيطرة البويهيين الشيعة على مقاليد السلطة في بغداد في وقت ضعفت فيه الخلافة العباسية . دخل أحمد بن بويه الفارسي القادم من بلاد فارس بقواته وسطوته بغداد سنة 334 هجرية وخلع عليه الخليفة العباسي وقتها لقب معز الدولة ، وأصبح هو الحاكم الفعلي بينما بقي الخليفة مجرد عنوان شكلي على رأس الدولة ، واستمر هذا الوضع مدة سيطرة آل بويه على مقاليد الأمور حاكما بعد حاكم الى أن سقط الحكم البويهي على يد السلاجقة بدخول طغرل بيك السلجوقي لبغداد سنة 447 هجرية .

في ظل الحكم البويهي الفارسي الشيعي الرافضي ، ظهرت الطائفة الشيعية في بغداد والعراق ، وبغطاء رسمي لأول مرة ، وبدعم واضح من السلطة الفارسية الرافضية المسيطرة على مقاليد الأمور ، والتي كان لها مخطط إبراز الوجود الشيعي وفرضه كمكوّن اجتماعي في العراق وتغطية نشاطه الديني والثقافي رسميا وتوفير فرص التمدد والتجذر له في عموم العراق ، وفي بغداد عاصمة الخلافة وإحدى أهم حواضر العالم الإسلامي ، على وجه الخصوص . مضى أحمد بن بويه في مخططه هذا شيئا فشيئا ، حتى إذا وجد أنه قد قطع أشواطا مهمة في هذا المخطط ، اتخذ إجراءات أشعل بها نار الطائفية في بغداد والعراق ، ففي سنة 351 هجري كتبت بأمره على مساجد بغداد العبارة التالية ( لعن الله معاوية بن أبي سفيان ولعن من غصب فاطمة فدكا ومن منع أن يدفن الحسن عند قبر جده ومن نفى أبا ذر الغفاري ومن أخرج العباس من الشورى ) ، وفي سنة 352 هجري أمر الناس أن يغلقوا دكاكينهم في العاشر من محرم ويعطلوا الأسواق ويُظهروا النياحة على الحسين رضي الله عنه ، وأن تخرج النساء ناشرات الشعور مسودات الوجوه يدُرن بالنياحة ويلطمن . وصارت هذه الحالة عادة متبعة في كل عام . لقد توالى بعد أحمد بن بويه حكام من آل بويه استمروا في احتضان الحالة الشيعية في العراق ودعمها وتغطيتها رسميا ، ومن ذلك تشييد عضد الدولة أبو شجاع خسرو مرقدا عظيما حسب وصف المؤرخين على القبر المنسوب لسيدنا علي رضي الله عنه في النجف ، وأعتقد أن عضد الدولة بهذا العمل كان يقصد ترسيخ وتثبيت نسبة القبر المزعومة ، والتخطيط لجعل المكان مثابة شيعية في مخطط نشر التشيع وإبراز الوجود الشيعي . وفي سنة 381 هجرية أنشأ أبو نصر سابور بن أردشير مكتبة ضخمة أراد أن يضاهي بها دار الحكمة و أن يجعلها مركزا ثقافيا رئيسا للتشيع . في ظل هذا الإحتضان الرسمي للتشيع والشيعة ، كان الظهور الأول لما يسمى بالحوزة الدينية الشيعية كمؤسسة ، في بغداد ، برعاية رسمية من البويهيين ، فبرز مشايخ الشيعة ومراجعهم وقويت حلقات الدروس الشيعية وقويت المرجعية الشيعية كسلطة دينية للشيعة تتواصل مع الشيعة في العراق ومع المراكز الشيعية في خارج العراق . استقطبت الحوزة الشيعية في بغداد طلاب الشيعة من خارج العراق ومن بلاد فارس على وجه الخصوص . وأعتقد أن الوجود الشيعي السكاني في بغداد والعراق في ظل البويهيين نما من وافدي الشيعة الى العراق ومن بلاد فارس خاصة ضمن مخطط البويهيين الذي تقدم ذكره .

للمقال تتمة في الجزء الثاني

تعليقات

أحدث أقدم