ولاية الفقيه والمقاومة الخلّبية

مشاهدات



د. محمود خالد المسافر


عندما بدأت الحرب الهمجية على غزة تأخرت إيران وأدواتها من الميليشيات التي تدعي اتباعها للنهج الاسلامي في العراق ولبنان واليمن عن أداء دورها "المقاوم" الذي كانت تنتظره منذ مدة طويلة، والذي يتوافق مع منهجها الفكري المستند إلى نظرية ولاية الفقيه التي تنص على أمر جوهري وهو عدم انتظار "المهدي المنتظر" ليحرر الأرض ويسترجع الحق . إذ يقوم بتلك المهمة نائبه الولي الفقيه ، ولهذا ومنذ اليوم الأول لوصول الخميني الى إيران بدعم غربي وعلى طائرة فرنسية، تأّمل بعض الناس خيرا ظاهرا من وصول الخميني الى سدة السلطة في ايران وبدء تكوين نظام إسلامي ثوري يستند إلى فكرة ولاية الفقيه التي تُجيز للولي الفقيه إصدار القرارات المحورية التي تخص أمن ومستقبل الأمة من دون انتظار "المهدي" او الرجوع الى رأي الشعب (العامة كما تسميهم ادبيات الحوزات الدينية) لأخذ رأيه. وعلى الرغم من أن أساس نظرية ولاية الفقيه ليس ديمقراطيا ولكن ظاهرها التطبيقي يدعو ابناء الشعب إلى انتخاب ممثليهم وانتخاب رئيسهم الذي يقدم لهم الخدمات ويمثلهم امام دول ومنظمات العالم كافة. وبذلك فان ولاية الفقيه وظفت نظاما مركزيا لإتخاذ كل القارارت المهمة، وفي الوقت ذاته ارسلت رسالة الى العالم مفادها ان نظامها ديمقراطي ومن حق الشعب ان يمارس طقوسه الديمقراطية الغربية. وبذلك وفر نظام الولي الفقيه فرصتين . 


الفرصة الاولى داخلية لإمتصاص كل انواع عدم الرضا الشعبي الذي قد يظهر بين فترة واخرى والتي قد تتحول الى نقمة وحالة هيجان وانتفاضة قد تؤدي الى تغيير النظام كما حصل مع الحركة الطلابية اليسارية المناوئة للشاه والتي ادت الى الثورة عليه، تلك الثورة الشعبية التي سرقها الخميني والملالي من اصحابها الشرعيين بمساعدة الغرب . والفرصة الثانية انها ترسل رسائل الى الشعوب المتاخمة لإيران ولا سيما العراق ودول الخليج التي كانت تفتقر لأدوات الديمقراطية الغربية لتغذي هذه الشعوب بمشاعر النقمة ضد حكامهم وانظمتهم . وفرت هاتان الفرصتان للنظام الايراني مساحة جيدة للتحرك باتجاه اصدار قرارات تدخلية في شؤون الدول المجاورة كان من الممكن ان تلقى قبولا عند شعوب المنطقة وتتعداها الى باقي الشعوب العربية والمسلمة . لقد ظهرت اولى بوادر القرارات المحورية التي اتخذها الولي الفقيه نيابة عن "المهدي" بإطلاق الفكرة التوسعية بتصدير الثورة، وكان الهدف الظاهر منها أن إيران تريد أن تصّدر ثورتها الى الدول المحيطة بها والتي كما ادعت ان شعوبها تعاني من سيطرة حكومات الطاغوت عليها، والتي تمنع وحدة الامة الاسلامية وتؤخر نهضتها. وبدأت ايران بتصدير ثورتها اولا الى العراق الذي كان يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي العلماني "الكافر" كما كانت تطلق عليه مؤسسة ولاية الفقيه التي تكلّفت شرعيا من قبل "المهدي" لتحريره من "الطاغوت" والذي اعتبرته مؤسسة ولاية الفقيه عاملا معرقلا امام تحرير القدس وهو الهدف الاساس المكلف به الولي الفقيه من قبل "المهدي". ويبدو ان مهدي الولي الفقيه نسي ان يذكره باعادة الحرية للأحواز العربية التي احتلتها قوات الشاه القاجاراي اداة الطاغوت الغربي في منطقة الخليج العربي في نيسان من عام 1925. بدأ مسلسل الولي الفقيه لتحرير القدس بالدعوة التي اطلقها الخميني للثورة على "الطاغوت" في العراق . وحتى لا تكون دعوة احتلالية اعلن الخميني عن توكيله المرجع الديني محمد باقر الصدر لتحرير العراق، والذي بلع الطعم وفرح بتوكيل نائب "المهدي" مما جعله كبش فداء لكل من تسوّل له نفسه العبث بسيادة الدولة لصالح اية جهة اجنبية. وعندما فشلت عملية "تحرير" العراق بالانابة، وكما خطط لها بالضبط الولي الفقيه، ذهب الى اعلان الرغبة بالتحرير المباشر من خلال خطة "طريق القدس يمر من كربلاء". وشن حربا كبيرة على العراق نيابة عن الطاغوت الامريكي الغربي، ولكن حدث ما لم يكن في حسبان الولي الفقيه، فقد كشف القدر التعاون الصهيوني مع دولة الولي الفقيه في ايران من خلال سقوط الطائرة التي تحمل الاسلحة "الاسرائيلية" الى ايران . وبدأ مسلسل الانهيارات في الفكر الايراني المنحرف والجيش الايراني الهجين والسياسة الايرانية الخبيثة، وانتهت باعلان الخميني تجرّع السم وقبوله لقرار مجلس الامن 598 لوقف اطلاق النار بين العراق وايران. 


ولم تتنفس مؤسسة الولي الفقيه مرة اخرى بعد ذلك واصبحت تدير دولة محدودة الادوات الخارجية، الى ان اعلنت الولايات المتحدة عن خطتها الاجرامية لإحتلال العراق، هنا تحركت النوايا الخبيثة لمؤسسة الولي الفقيه مرة اخرى لترسل رسائل سرية الى الولايات المتحدة الامريكية الامريكية عن رغبتها في مساعدتها في خطتها باحتلال العراق واسقاط نظامه الوطني . وتخادمت ايران مع الولايات المتحدة الامريكية والصهيونية العالمية لتدمير البلد الذي كان يمثل الأمل في بناء نموذج الدولة العصرية وفي تحرير الاراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان والاحواز وغيرها. وبعد قرار اوباما بتسليم العراق الى مؤسسة الولي الفقيه استأسدت ايران على كل المنطقة وتوسعت اذرعها على نحو سريع، ففي عام واحد تمكنت الميليشيات التابعة للحرس الثوري في العراق من السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة فيه، وتمكنت ميليشيا الحوثي التابعة لمؤسسة ولاية الفقيه من  فرض منطق القوة على الدولة في اليمن حتى ازاحت الدولة واستبدلت مؤسساتها بمؤسسات ميليشاوية بدائية. وانتقلت الميليشيات الايرانية الى سوريا لتحول النظام  فيها الى بيدق في رقعة شطرنج يلعب بها الولي الفقيه. واستأسدت ميليشيا حزب الله على النظام الرسمي في لبنان، وتقدم القرار الايراني على كل القارات الاخرى في لبنان. وعادت حليمة لعادتها القديمة، فبعد ان ازاحت مؤسسة ولاية الفقيه كل الانظمة التي تحول بينها وبين القدس بدأت مؤسسة ولاية الفقيه تروج مرة اخرى لتحرير القدس، ولكن ليس بالتحرير المباشر كما ارادت في اول امرها وانما من خلال دعم الحركات المحلية، مثل حركة حماس في غزة وتحريك ميليشيا حزب الله في لبنان، ظاهريا من اجل تحرير القدس وباطنيا من اجل الاخذ بالفرصة التاريخية والعودة الى دور ايران الذي خسرته بسقوط الشاه وصعود العراق بوصفه دولة اقليمية محورية، وهو دور شرطي الخليج العربي. وحتى لا تفقد ايران هذا الدور مرة اخرى عليها ان تتسلح بالسلاح النووي الذي يجعلها عنصرا فاعلا ومؤثرا على نحو دائمي. وظفت ايران كل ادواتها الميليشياوية والحزبية في المنطقة من اجل الهدف الرئيس وهو ايران الكبرى المطلة على الخليج العربي. وبدأت هذه الدوات تسرق وتقتل وتنهب وتهجر لصالح مؤسسة ولاية الفقيه في الوقت الذي تدعي فيه رغبتها العارمة بتحرير القدس. وتحولت الميليشيات في العراق بين ليلة وضحاها من ميليشيا للقتل المذهبي والسرقة الى فصائل مقاومة بعد ان كانت ولمدة طويلة دليلا للقوات المحتلة وادوات الاحتلال. ودارت الدائرة مرة اخرى، وكما تجرّع الخميني السم اول مرة وتخلى عن ادواته تتخلى مؤسسة الولي الفقيه اليوم عن ادواتها القذرة في المنطقة مقابل الحفاظ على المركز وحتى فرصة اخرى. وانكشفت كل هذه الفصائل والميليشيات امام الناس بانها فصائل مقاومة خلبّية قد تُعنى وتهتم باي شيء الا المقاومة .


*الخلّب: وتعني الاطلاقات الفارغة

تعليقات

أحدث أقدم