الفريق الركن صباح نوري العجيلي
تمهيد :
الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله شخصية تتمتع بكاريزما خاصة ومؤثرة في الوسط السياسي والشيعي يتبنى فكرة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ، تقلد منصب الامين العام للحزب منذ 32 عاما وهو رجل دين وقائد سياسي موالي لنظام ولاية الفقيه الايراني . وحزب الله من أهم الاحزاب السياسية في الساحة السياسية اللبنانية ولديه مليشيا مسلحة تمولها طهران وتمتلك امكانيات أكبر من قدرات الجيش اللبناني.يتبع حزب الله نظام ولاية الفقيه الايراني ، ويلعب دورا سياسيا وأمنيا كبيرا في لبنان ويتحكم بالسلطة التنفيذية والتشريعية ويقاتل في سوريا الى جنب نظام بشار الاسد ويقود من الناحية العملية شبكة وكلاء ايران في المنطقة . منذ يوم 8 اكتوبر 2023 دخل الحزب في حالة حرب فعلية مع الجيش الاسرائيلي تحت غطاء أسناد غزة ويحدث قصف صاروخي متبادل بين الطرفين ضمن قاطع عمليات قيادة المنطقة الشمالية الاسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة . ويشن الطيران الحربي والمسّير الاسرائيلي حملة اغتيالات استهدفت قيادات وكوادر وعناصر الحزب في جنوبي لبنان وسوريا وبلغ عدد القتلى اكثر من 350 عنصر وقيادي . يشكل حزب الله الذي يتزعمه حسن نصر الله، العمود الفقري لشبكة وكلاء ايران في المنطقة وله دور بتأسيس وتنظيم وتسليح وتدريب الميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا واليمن . عملية أغتيال حسن نصر الله تمثل ضربة موجعة لحزب الله الذي هو في حالة حرب مع اسرائيل وكذلك لنظام طهران ومايسمى بمحور المقاومة التابع له وبالمقابل منحت الضربة حكومة وجيش الاحتلال جرعة معنويه في عدوانها على غزة ولبنان .
الاسم الرمزي للعملية :
أطلق الجيش الاسرائيلي على عملية تصفية نصر الله اسم النظام الجديد او الترتيب الجديد وهي تسمية رمزية تعني ان وضعا جديداً سوف يتم فرضه والتعامل به .
تسلسل الاحداث :
- مساء يوم الجمعة 27 ايلول حدوث ضربات جوية قوية على المبنى الرئيسي لمقر حزب الله الرئيسي والسري في حي الحراك في الضاحية الجنوبية لبيروت
- الطائرات المنفذة F15 I وعدد القنابل المستخدمة 80 من طراز MK84 عيار 2000 رطل
- أسفرت الضربة عن تدمير المجمع السكني الذي يتألف من ست بنايات وجرى تسويتها بالارض
- ادعاء الجيش الاسرائيلي الاولي بانه تمكن من قتل حسن نصر الله في مقر الحزب الذي يقع تحت الارض بعمق كبير
- انقطاع الاتصال بالامين العام للحزب وقيادته من مساء يوم الجمعة .
- اعلان الجيش الاسرائيلي رسميا صباح السبت 28 ايلول عن مقتل حسن نصر الله وعدد من قيادات الحزب ابرزهم علي كركي ونائب قائد عمليات فيلق القدس الايراني في لبنان الجنرال عباس نيلفروشان
- استمرار الغارات الجوية على اهداف في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع .
تفاصيل العملية :
توفرت معلومات دقيقة للاستخبارات الاسرائيلية عن قرب انعقاد اجتماع لقيادات حزب الله بضمنهم الأمين العام حسن نصر الله في مقر الحزب السري في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، أعد تقدير موقف سريع ووضعت الخطة التي أقترنت بموافقة رئيس الحكومة قبل سفره الى نيويورك ورئيس الاركان الاسرائيلي على تنفيذ الضربة الجوية لتدمير مقر الحزب وقتل من فيه. أديرت العملية من مقر سلاح الجو بحضور وزير الدفاع ورئيس الاركان وقائد سلاح الجو وبغياب رئيس الحكومة نتن ياهو الموجود في نيويورك.
نفذت الضربة بالساعة 18:00( السادسة مساء بتوقيت بيروت) وذلك بقيام طائرات F15 I باطلاق 80 قنبلة خارقة للتحصينات ذكية من نوع MK84 الامريكية (المطرقة ) عيار 2000 رطل مايعادل 900 كغم وسعرها لايتجاوز 16 الف دولار، وللقنبلة القدرة على خرق التحصينات الاسمنتية والمعدنية . استهدفت الضربة مجمع سكني يتكون من 6 بنايات يقع تحتها مقر الحزب على عمق 30 متر تحت الارض والذي كان يعقد فيه اجتماع يحضره 12 من قيادات الحزب بضمنهم الأمين العام ونائب فيلق القدس مسؤول عمليات الخارج في الحرس الثوري الايراني . وتسببت التفجيرات بعصف شديد وتصاعد الدخان في الجو مما أدى الى تدمير مجموعة الابنية وتسويتها بالارض وقتل كافة الموجودين في المقر .
لابد من التذكير بمراحل العملية الاسرائيلية في لبنان والتي شملت على :
- الحرب الالكترونية: وبدأت بتفجير اجهزة الاتصال والاستدعاء البيجر على كوادر الحزب واحداث الصدمة والارباك بين صفوفه .
- اغتيالات القيادات الرئيسية للحزب
- التجريد الجوي لساحة المعركة لتدمير قوات الحزب وقواعد الصواريخ ومستودعات الاسلحة والذخائر، ومن المحتمل استمرار هذا النهج الى حين قبول الحزب بالمقترح الامريكي والقرار 1701
- احتمال القيام بعملية برية محدودة لدفع الحزب خلف نهر الليطاني في حالة عدم التوصل الى حل سياسي .
أسباب نجاح الاحتلال بمسلسل الاغتيالات :
نجح الاحتلال الاسرائيلي بتصفية اغلب قيادات الحزب الرئيسية وهم من الرعيل الاول ومن الشخصيات المعروفة والمؤثرة ، ويعود ذلك الى الاسباب الاتية :
- أعطاء قيادات العدو الأهمية البالغة لموضوع تصفية قيادات الحزب حيث يتسبب فقدانهم خللا كبيرا في منظومة القيادة والسيطرة ويولد ضعفاً في المعنويات وارادة القتال.
- تمكن منظومة استخبارات الاحتلال ( الموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية ) من تحقيق خروقات في منظومة القيادة للحزب ومعرفة اماكن تواجدها ورصد وتعقب تحركاتهم والتنصت على مكالماتهم.
- تفوق الاحتلال الكترونيا ونجاحه بتلغيم اجهزة الاستدعاء والتنصت، وتحديد وتعقب الاهداف عن طريق الهواتف المحمولة والاجهزة الالكترونية الاخرى والبصمة الصوتية.
- وجود الجواسيس في صفوف الحزب (حرامي البيت) وفي مستويات عليا والذين ينقلون المعلومات عن تحركات واماكن تواجد القيادات
-لا يمكن أغفال دور المساعدة الفنية الامريكية في تعقيب القيادات المهمة لحزب الله وحماس والقسام في غزة ولبنان .
أنعكاسات اغتيال حسن نصر الله وقيادات الحزب:
عملية الاغتيال لهذه الشحصيات الاساسية في الحزب سوف يكون لها تداعيات وانعكاسات على هيكلية وبنية وموقف الحزب والمشروع الايراني في لبنان وعموم المنطقة، ويمكن ايجازها بالاتي:
- فقدان حسن نصر الله المفاجيء وفي هذا الظرف الدقيق سيلقي بظلاله على بنية الحزب والهيكل القيادي وعلى مكانته في لبنان وعلى سير ونتائج الحرب الدائرة بين الحزب والكيان الاسرائيلي. ومن الصعوبة بمكان ظهور شخص بديل يتمتع بكاريزما مؤثرة كالتي يتمتع بها في الوقت الراهن .
- خسارة نظام طهران لشخصية موالية ومؤثرة في هذا الظرف الدقيق الذي تعيشه المنطقة بعد احداث حرب غزة ، لاسيما وانها فقدت رئيس الجمهورية السابق ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية امير عبد اللهيان في ظروف غامضة ومن ثم عملية اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الايرانية طهران
- حرمان الحزب من القيادات الرأسية التي تتولى القيادة خلال الازمات سوف يتسبب في تردي المعنويات وضعف ارادة القتال وخلق حالة من الفوضى والارباك وضعف ردود الفعل امام العدو
-القيادات التي تم تصفيتها بضمنهم حسن نصر الله هي ولائية عقائدية تتبع نظام ولاية الفقية الايراني وتنفذ توجيهاته بالقتال داخل وخارج لبنان .
- سوف ينعكس مسلسل الاغتيالات على موقف قيادات وكلاء ايران والميليشيات في العراق وسوريا واليمن .
- صدمة وارباك وتحسب لدى الحرس الثوري وفيلق القدس الايراني ومستشاريهم العاملين في لبنان وسوريا والعراق واليمن
-الاغتيالات تصب في صالح حكومة (النتن ياهو) المتطرفة وسوف يستغلها للتمادي اكثر بالعدوان والمماطلة بالتفاوض ووقف اطلاق النار .
- أظهر حجم الاغتيالات والضربات الجوية ضعف موقف مليشيا الحزب بخلاف الحملة الدعائية التي كان يروج لها الحزب بقدراته على مواجهة العدو الاسرائيلي.
ردود الفعل المحتملة على عملية الاغتيال :
- لانتوقع حدوث رد ايراني على عملية اغتيال حسن نصر الله وقيادات الحزب وسيلوح بالتهديد دون رد كما هو الحال في اغتيال اسماعيل هنية في طهران في الاول من أب 2024، وسيدفع نظام طهران وكلائه في المنطقة للرد بدلا عنه.
- رد حزب الله هو الاستمرار بتوجيه ضربات بالمقذوفات الصاروخية والصواريخ على المدن الاسرائيلية، ومن المحتمل القبول بالمقترح الامريكي والعودة خلف الليطاني نتيجة لضغوطات الحرب
- رد فعل الحوثيين والميليشيات العراقية سيكون بضرب اهداف اسرائيلية بالمسيرات والصواريخ وبتأثير محدود .
- لانتوقع قيام الميليشيات العراقية بدفع مقاتلين الى لبنان للاشتراك بالحرب، ولاتجازف قياداتها على القيام بهذه المخاطرة التي قد تكلفهم غالياً .
التحليل النهائي :
- غياب شخصية حسن نصر الله المفاجئ سوف يؤثر سلباً على قيادة الحزب في هذا الظرف الدقيق والموقف الصعب الذي يمر فيه الحزب كونه من اهم الشخصيات في منظومة وكلاء ايران والذي يؤمن بشكل مطلق بولاية الفقيه والمشروع الايراني واستراتيجية تصدير الثورة ، ومن الشخصيات المؤثرة في الساحة السياسية اللبنانية ويتحكم بالسلطة التشريعية والتنفيذية وانشاْ دولة داخل دولة في لبنان.
- غياب حسن نصر الله ضربة معنوية سوف تؤثر سلباً على مايسمى بمحور المقاومة كونه القائد السياسي والعسكري الحقيقي لشبكة وكلاء ايران بالخارج بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني في غارة امريكية قرب مطار بغداد في مطلع عام 2020
- جرى تنفيذ عملية الاغتيال في ضوء معلومات دقيقة توفرت عن الهدف وتحركاته وعن المقر السري للحزب وساعة تواجد الامين العام وقيادات مهمة في المقر.
- استخدام 80 قنبلة تقدر كمية المتفجرات 160 الف رطل مايعادل 72 طن من المتفجرات شديدة الانفجار وهي كمية كبيرة تولد عصف شديد وحرارة عالية المراد منها تدمير الهدف بالكامل وقتل من فيه وانعدام فرصة بقاء احياء داخل الملجأ.
- الضربة تحسب لصالح حكومة نتن ياهو والجيش الاسرائيلي والاستخبارات بعد عملية طوفان الاقصى في غزة ، وسوف يستغل الجانب الاسرائيلي هذا النجاح للاستمرار بعملياته لتدمير قوة الحزب وفرض شروطه .
-الخروقات الامنية الاسرائيلية الكبيرة لقيادات وكوادر الحزب ووجود الجواسيس داخل المقرات والمكاتب وفقدان الحزب 11 من قياديه خلال شهرين يدل على حجم الخروقات الامنية والجهل في اتباع اجراءات الحماية والتخفي عن الرصد الجوي والبري، مما يتطلب التحقيق والمراجعة الشاملة لأمن القيادات والمقرات والخطط.
- المجازفة في عقد اجتماع لقيادات رئيسية ومهمة بالضاحية الجنوبية لبيروت في هذا الظرف ربما للاعتقاد بان القيادة الاسرائيلية لاتتخذ قرار بالضربة لسفر رئيس حكومة الاحتلال الى نيويورك يوم الخميس (قبل يوم من تنفيذ الضربة الجوية ) لحظور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة .
- ميزان القوى يميل لصالح الجيش وسلاح الجو الاسرائيلي المدعوم امريكيا ، اما حزب الله فهو ميليشيات مسلحة محدودة الامكانيات ومخترقة امنياً وتبين انها مكشوفة امام اجهزة استخبارات العدو .
- في حالة تنفيذ القوات البرية الاسرائيلية الاجتياح البري ، ستكون هناك فرصة للحزب لادارة حرب عصابات تستنزف قوات الاحتلال البرية .
- الموقف الايراني في دعم حزب الله ضعيف وتركه وحيداً في ساحة المعركة ، اما دور الحوثيين في اليمن والفصائل العراقية فهو محدود .
الخلاصة :
من المستغرب ان أغلب عمليات اغتيال القيادات وزعيم الحزب قد وقعت في الضاحية الجنوبية من بيروت وسط الاحياء السكانية وهذا يخالف السياقات العامة في الحروب حيث من المعتاد تواجد القيادات في المقرات الميدانية والبديلة المحصنة والتي تتوفر فيها شروط السرية والأمان ويستفاد من الانفاق والجبال والمناطق المشجرة للاختفاء من الرصد الجوي والبري للعدو وجواسيسه مع تجنب التواجد بالاحياء السكنية .عملية استهداف المقر السري للحزب واغتيال حسن نصر الله وباقي القيادات الرئيسية تشكل خرق امني كبير للحزب ينبغي الوقوف على اسبابه ومعالجة حالات الضعف بدقة لاسيما وانه يخوض حربا شرسة مع الجيش الاسرائيلي المتفوق ماديا والمدعوم امريكيا . جرى خلال السنوات الماضية تضخيم قدرات الحزب ولكن الواقع بالمواجهة العسكرية أثبت عكس ذلك تماماً حيث ساد الارباك لدى قيادة الحزب بسبب الحرب الالكترونية التي شنتها اسرائيل في 17 ايلول الجاري. فقدان شخصية مهمة ومؤثرة مثل حسن نصر الله في الوقت الراهن والحزب يخوض حرباً شرسة مع عدو متفوق في البر والجو والبحر ، يعد خسارة كبيرة للحزب وللمحور الايراني ، مما يتطلب انتخاب شخصية بديلة لسد الفراغ السياسي والعسكري الحاصل.
إرسال تعليق