مقامة نجيب محفوظ :

مشاهدات

 


صباح الزهيري 


نشر المندلاوي الجميل قول نجيب محفوظ : ((اذا كان الماضي لا يستحق الحديث , فلنصنع مستقبلا يستحق ان يحكى )) , مما أستدعاني كتابة هذه المقامة .


نعم وهو يقول ايضا : ((لا تخجل من المطالبة بحقوقك , لأن هناك من لا يخجل من سلبها منك )) , وماذا في الماضي ؟ كان أبو العلاء المعري لا يزال يشكك بشرعية البشرية على أساس أن الإخوان تزوجوا أخواتهم , فحلها الصابئة المتطلعون للمستقبل بأن قالوا أن هناك آدمين نزلا, مما يعني الزواج حصل بين بنات وأولاد العم . ترى لما كنا في زمن الصبا والشباب يساريين بعثيين او شيوعيين؟ وكنا نتهم ألآخرين بأنهم  بلا قلوب؟ وحين كبرنا تحولنا الى واقعيين ومحافظين ؟ ونقول على ألآخرين أنهم بلا عقول ؟ المتطلعون الى المستقبل يرددون قول ايمانويل كانط : ((إني أسمع في كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر, رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن , ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل إدفع , ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ , ولكن أقول لك فكر بنفسك وقف على قدميك , إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف )) , ولما كانت الحياة يجب أن تُعاش , لآخر إمكانية, يجب أن تُكتشف , من دون وجل , نحن العرب لسنا أقلّ وأضعف من بقية الأمم , لو أدرنا أمرنا برُشدٍ وتجاهلنا تجار الجهل وأرباب الخراب والأرض اليباب .

 

يقول الجاحظ أنه التقى على جسر في بغداد رجلا يبيع الثلج ظهيرة صيف قائظ , وهو يصيح بالمارة : أرحموا رجلا رأسماله يذوب , يشيرون علينا بالديمقراطية التي ستوصلنا الى المستقبل , ولكن ألأخوان أحتووها فأضحت الديمقراطية هي أن تختار من سيأكلك , وبعيداً عن تفاصيل الأخبار ودقائق الأنباء , في مجالنا العربي , وصعوداً لكليات الأمور ومعاقد الأفكار وجواهر العناوين , سنجد أننا ما زلنا نناقش نفس الذي ناقشه أسلافنا قبل قرن تقريباً , من نحن؟ ما هويتنا ؟ ما طبيعة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع ؟ ما العقد الاجتماعي السياسي الأصلح لنا ؟ انه ليس خللاً أن يستمر الجدل في ذلك , لكن غير المعقول ألا يحدث تراكم كيفي ينتج عن تراكم كمّي , هنا نصبح أمام تبلد وتجمد وتجلمد (من الجلمود) في نقطة دائرية واحدة . سال حبر غزير منذ ذلك الوقت, وفي عصر الرقمنة , ملايين الصفحات والتغريدات والبوستات والفيديوهات والبودكاستات في ذات الموضوعات , لو نكون على الأقل مثل هؤلاء الصينيون الجدد, الذين يحملون كتاب ماركس بيد, ومؤشر وول ستريت بالأخرى . روى أن اصنام الجاهلية السادة المبجلين  ( اللات والعزى وهبل وود وسواع ويغوث ونسرا)  هي بالأصل أسماء لشيوخ صالحين , وعندما يموت احدهم يقوم القوم بنحت تمثال له كنوع من التقدير على جهوده النبيلة في خدمة القبيلة ,   أما نحن فقد فاقت علينا الجاهلية عندما صنعنا تماثيل للرِعاع والأوباش والسفلة ورفعنا قدرهم وقدسناهم . قسم من الدول عندما تنهار لاتقوم لها قائمة بعد ذلك , وتتواصل دينامكية التراجع والإنهيار نظرا لعدم وجود كوابح توقفه , ونعني بالكوابح وجود نخب سياسية وطنية شريفة لديها مشروع وطني حقيقي , وكذلك وجود جماهير وطنية مستعدة للثورة وبناء وطنها من جديد, مع الأسف لقد طوعنا الماضي وأصبحنا عبيدا له , تتحكم فينا سيكلوجية العبيد , اصبحنا نشبه عبيد أميركا ,عندما قرر الكونجرس الأمريكي ألغاء العبودية , قالوا : كيف سنعيش بدون سيد .


تعليقات

أحدث أقدم