خيارات خامنئي المُرّة

مشاهدات



د. حسين عبد القادر المؤيد


  1. أحدث مقتل إسماعيل هنية في طهران أثناء مشاركته ضيفا رسميا في مراسم أداء مسعود پزشكيان القسم رئيسا للجمهورية، صدمة قوية لدى نظام الملالي لا سيما خامنئي . لقد كانت صدمة في كونها مفاجأة لم تكن تخطر على بال خامنئي ومؤسساته المعنية، وفي صداها الداخلي والخارجي، وانعكاساته السلبية على نظام الملالي، وفي جانبها الاعتباري الذي أذلّ هذا النظام وضرب غطرسته وعنفوانه وهيبته ، مضافا الى جوّ الهلع الذي أوجده في نفوس مسؤولي السلطة وأجهزتها التي يتأكد يوما بعد آخر، أن الاختراق قد نخرها في الصميم ، وأن أمن مسؤوليها من أعلى شخص فما دون ، على المحك بعد أن اهتزت صماماته ، وقد ظهرت ملامح الهلع على وجه خامنئي عند وقوفه لأداء صلاة الجنازة على جثمان هنية ، بنظرات الريبة والحذر متطلعا الى ما يحيط به من أعلى . ومنذ الإعلان عن مقتل هنية ، توعد نظام الملالي وعلى لسان خامنئي وعض كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين ، برد صاعق يثأر للشرف الذي طعنته هذه الضربة على حد تعبير خامنئي في بيانه بشأن هذا الحادث المزلزل. وقد توقع كثيرون، أن الرد الصاعق، سينطلق دون تأخير، ليستعيد خامنئي ونظامه ، بعض الاعتبار، وللتأكيد على أن هذا النظام ما يزال يمتلك قوة الردع والرد. ولكن هؤلاء المتوقعين ، شعروا بنوع من الخيبة ، بسبب تأخر الرد ، وسبب تضارب تصريحات بعض مسؤولي نظام الملالي السياسيين والعسكريين ، والتي استبطنت شيئا من التراخي والتردد والتروي ، لا سيما بعد التحذيرات وسائل التهديد التي تلقاها هذا النظام من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، والاستعدادات الإستثنائية لمواجهة الرد الإيراني . والحقيقة ، أن خامنئي وجد نفسه، أمام خيارات كلها مُرّة، فإن تغاضى عن الرد الصاعق، سيظهر أمام شعبه وأمام العالم ، ضعيفا ذليلا عاجزا، وفقد هو ونظامه هيبة الدولة وعنفوانها، وهو أهم ما تحرص عليه ، في تصوير نفسها قوة كبرى تواجه النظام العالمي والقوى الكبرى، وتحلم بزعامة العالم الإسلامي، وتتبجح بهيمنتها الطاغية على المنطقة، وتنفش ريشها بأذرعها في لبنان والعراق واليمن، وقدرتها على محو إسرائيل من الخارطة بدقائق على حد تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني . ولا شك في أن هذا العجز والذل، سينعكس على مكانتها حتى عند مناصريها وأتباعها ويولها، وسيزعزع اطمئنانهم وقتهم بها وبقدرتها ظهيرا لهم والأملَ بإمكانية نجاح المشروع الصفوي وقدرته على الصمود، فضلا عن نظرة خصومها ومن كان يحسب لها حسابا. وإن ردّ ردّا لا يتناسب مع قوة حادثة مقتل إسماعيل هنية والصدمة التي أحدثتها، فإن خامنئي وظامه، سيكون محط تهكم وسخرية وتندر ، وسيجر وتجرع مرارة نفس التبعات التي ستلحقه إن تغاضى عن الرد كلية . وإن ردّ ردّا يتناسب مع قوة الحدث الصدمة التي أحدثها، فهو أمام معطيات خطيرة لا يمكن أن يستهين بها أو يتجاوزها. ومن أبرزها :-

  2. 1- احتمال تلاشي مفعول الرد القوي الصاعق، بفعل الاستعدادات الإستثنائية التي جهزتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ويظهر الحجم الحقيقي الصغير لنظام الملالي أمام القوة التي تملكها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يقضي على كل آمال و تطلعات هذا النظام، بأن يكون القوة الإقليمية الأولى في المنطقة، بل و على إمكانية التنافس مع إسرائيل في المنطقة، و بالتالي لا مجال للتفاوض على الحصة التي يريدها، و على تقاسم النفوذ في المنطقة، مع إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية. و سيظهر أكثر الوجه العدواني لهذا النظام الذي يحاول التعملق على دول المنطقة و شعوبها، في الوقت الذي يتجلى على حقيقته قزما أمام إسرائيل و القوى الكبرى، و ستلاحقه نظرة الإزدراء من دول و شعوب المنطقة، و لن يعود قادرا على التبجح و التغطرس.

  3. 2- لم يحصل خامنئي على غطاء لرد صاعق ضد إسرائيل من القوى الكبرى التي يتحالف معها و التي ارتمى في محورها، فروسيا و الصين، أبلغا خامنئي بعدم موافقتهما على مثل هذا الرد. و لا يستطيع خامنئي لا سيما في ظروف إيران الحالية، أن يتجاهل أو يعاكس موقف روسيا و الصين.

  4. 3- ليس لدى خامنئي و نظامه، القدرة على احتواء الرد الإسرائيلي و الأمريكي المدمر، الذي سينطلق دون تردد، إذا وجه ضربة قوية و ردا صاعقا على إسرائيل، و معنى ذلك أنه سيواجه ضربات تدميرية ماحقة ذات آثار كارثية على الدولة و الشعب، و ربما تؤدي الى انهيار نظام الملالي.

  5. 4- في ظل الوضع الداخلي الجديد في إيران و بداية تشكيل و عمل حكومة جديدة، يراد لها تحسين الأوضاع الاقتصادية و تحقيق و لو الحد الأدنى من تطلعات الناخبين و من علّق أمله على الرئيس الجديد، و الاتجاه بسياسة خارجية تعطي للتكتيكات الرامية الى فك العزلة عن نظام الملالي، و إيجاد مناخ ملائم مع الغرب، يخفف الضغط و العقوبات، بل و عقد صفقات تضمن احتفاظ نظام الملالي بما يراه مكتسبات حققها، و يضمن استمراره كلاعب أساسي في المنطقة، فإن أي رد صاعق ضد إسرائيل، و ما يستتبعه من رد فعل إسرائيلي و أمريكي، سيجعل پزشكيان و حكومته، في مهب الريح، و ستنهار كل الآمال المعقودة على الحكومة الجديدة، و سينفتح الباب لانفجار شعبي كبير وخيم العواقب.
  6.  
  7. 5- في ظل الهوة العميقة التي تفصل بين نظام الملالي و الشعب في إيران، و في ظل وخامة الأوضاع المعيشية للشعب، و عدم تفاعل أكثرية الشعب مع الآيديولوجية السياسية لنظام الملالي، لا سيما فيما يتصل بالسياسة الخارجية لهذا النظام و منها الملف الفلسطيني، فإن الوضع الداخلي ليس في صالح نظام الملالي، إذا تلقى ضربات تدميرية ردا على رده الصاعق على إسرائيل، لا سيما مع اقتراب الذكرى السنوية لوفاة مهسا أميني التي أشعلت انتفاضة شعبية عارمة في إيران، فإن الوضع مهيأ للاشتعال، إذا حصل أي تطور دراماتيكي، جراء ضربات تدميرية على ضرب نظام الملالي لإسرائيل . 
  8.  
  9. وهكذا يجد خامنئي نفسه في مأزق، أمام هذه المعطيات التي تجعله يعيد النظر ألف مرة، إزاء اتخاذ قرار بتوجيه رد صاعق ضد إسرائيل، بحجم قوة وصدمة حادثة مقتل هنية في طهران. ومن المتوقع ، أن يلجأ خامنئي الى كسب امتيازات من الإدارة الأمريكية الحالية، مقابل عدم الرد لتبرير عدم الرد، والتغطية على نقاط الضعف . ولكن من المستبعد أن تعطيه الإدارة الأمريكية الحالية هذه الامتيازات ، لأنها داخلة في سباق انتخابي جدي أمام خصم قوي ومتربص وهو ترامب الذي لن يسكت على ذلك، وسيكون ورقة مهمة للتشهير ببايدن وهاريس ، مضافا الى عدم وجود أرضية لدى غالبية أعضاء الكونغرس، لتقديم هذه الامتيازات ، لا سيما ومعركة إسرائيل مع حماس وما يسمى بمحور المقاومة المدعوم بقوة من نظام الملالي على أشدها. سترتكب الإدارة الأمريكية الحالية، خطأ قاتلا إذا صارت في وارد مساومة نظام الملالي وتعويض عدم الرد بامتيازات، ستعتبر بمثابة مكافأة له على غطرسته وعربدته. أو يلجأ للضغط باتجاه إنهاء الحرب في غزة ، ليتخذ من ذلك ذريعة لتبرير عدم الرد وادعاء ترحيله الى إشعار آخر، وهذا حاليا لا توجد مؤشرات على تحققه قريبا . إذن خامنئي أمام خيارات مُرّة ، وبغض النظر عن أي خيار مُرّ سيتخذه ، فقد آن الأوان أني عيد الغرب حساباته، ويتجه لقرار حاسم بحذف نظام الملالي من رقعة الشطرنج ، فهذا هو الحل الجذري الذي يتيح ترتيبا جديدا في معادلات المنطقة .

تعليقات

أحدث أقدم