جاسم الشمري
يُعدّ مصطلح «الفوضى» أو «الفوضوية» من المصطلحات العميقة التي تتلاعب بها القوى الشريرة الساعية لبقاء مئات ملايين الناس في ظلمات الجهل والتخلّف والهمجية ! والإنسان، كما يقال ابن بيئته، وعندما يولد الإنسان يكون خلال ساعات ابن بيئته التي ولد فيها، فأبناء الأمراء أمراء، وأبناء الأغنياء أغنياء، وأبناء الفقراء فقراء، وهكذا حال غالبية الناس . وابن البيئة المُرتّبة يعشق، غالبا، الترتيب، وابن البيئة الفوضوية يكون، غالبا، بعيدا عن الترتيب، وهكذا هي أحوال الناس في حِلّهم وترحالهم ومعظم تقلّبات حياتهم . والفوضى قد تكون في البيوت والشوارع وأماكن العمل وإدارة المؤسّسات والدول، وقد تكون مطلقة، وقد تكون محدودة . والفوضى وفقا لقواميس اللغة :
«اختلال في أداء الوظائف والمهام الموكلة إلى أصحابها وافتقارها إلى النظام». والفوضى قد تكون أمنية، أو سياسية، أو إدارية، أو نخبوية وفكرية، أو قيادية، أو مجتمعية، أو اقتصادية، وتختلف درجة خطورتها وأهميتها تبعا لمدى التصاقها بالمجتمع والناس وتأثيرها عليهم . وأظن أن «الفوضى الأمنية» تقود لكافة أنواع الفوضى الأخرى، والفوضى الأمنية نتيجة حتمية للفوضى السياسية، وبالمحصلة، ربما، تُعتبر الفوضى الأمنية والسياسية من أخطر الأنواع والتي ستقود حتما لنشر التشويش والارتباك والخلط في الحياة . وأعتقد أن «الفوضى الفكرية» من أبشع الأنواع، لأنها حينما تُغرس في مكان ما تتلاعب بالمفاهيم والعقول وتحاول التحكّم بالآخرين عبر أدوات ناعمة ودقيقة، وخبيثة . والفوضى الفكرية الحاصلة في مجتمعاتنا اليوم سببها غياب الأهداف الواضحة، والتصادم الشديد بين الاختصاصات المختلفة والتناحر الحادّ بين القدرات الشخصية والتحصيل العلمي والطموحات الأنانية الشاذة، وغيرها من الأسباب التي تزرع الحيرة في نواحي العمل والحياة . وحينما تُذكر الفوضى تذكر مباشرة الفوضى الخلاقة، (البناءة)، «Constructive Chaos» وهي مخطط سياسي وأمني قائم على الفوضى المقصودة والمدروسة لإخضاع شعب ما، أو لإنهاء أو نشر فكرة ما، وبالتالي تهدف الفوضى الخلاقة لبناء وضع سياسي وإنساني جديد مليء بالشعارات البراقة، وواقعيا يسعى القائمون على الفوضى الخلاقة لتحقيق أهدافهم مَرّة باسم الدين، وأخرى باسم الديمقراطية والانفتاح، وثالثة باسم حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات القائمة على تخدير الشعوب!. ونجد، في العمل السياسي، أن «الفوضى الفعلية» تتمثل في غياب القائد أو الرئيس (المدير) الكفؤ، وحينها سيواجه العمل فوضى عارمة في البرامج السياسية، والخطط الآنية والمستقبلية ، وفي اختيار «رفاق المسيرة» والموظفين وتقييمهم وغيرها من ضروريات العمل . ويحاول «زعماء الفوضى» خلال تنفيذ مخططاتهم الخبيثة خلط الأوراق، وتقديم الفاسدين، والمنافقين والمتملقين والزاحفين والساقطين، والمفترين!. وقد يتطور أمر «الفوضى القيادية» إلى درجة خلط الحقّ بالباطل، والصحيح بالسقيم، والنور بالظلام، والنقي بالملوث، بل وقد يصل الأمر لدرجة تفضيل الباطل والسقيم والظلام والملوث على الحق والصحي والنور والنقي، وهذا خلل خطير وكبير يتوجب معالجته بالحزم المؤسساتي، والضرب بقوة الفكر والمنطق والقوانين الناظمة وألا يترك لمثل هؤلاء «الفوضويين» العبث بمصير الناس وأفكارهم وتقييماتهم . ولا شكّ أن هذه «الفوضى القيادية الخبيثة» ستقود لتبديد الطاقات البشرية، والأوقات، والأموال، وفقدان الحكمة، وإيغال الصدور وزرع الكراهية بين أبناء المؤسسة وبالنتيجة الفشل الذريع للجميع دون استثناء . ورحم الله الشاعر الأفوه الأودي حينما قال :
لا يصلــــــــــح النــــــــــــــاس فوضـــــــــــى لا سراة لهم
ولا ســــــــــــــــــــراة إذا جُهَّــــــــــــــــالهم ســــــــــــادوا
لنحارب الفوضى بالتخطيط والعمل والمواقف الصلبة، ولا نترك أي مجال للعابثين والفوضويين أن يستأسِدوا على الناس عموما، والرجال خصوصا. إن كنت في مركب مليء بالفوضى الإدارية والقيادية ليكن أول مشاريعك النجاة من هذا المركب لأن المراكب الفوضوية لا تصل إلى بَرّ الأمان .
إرسال تعليق