دلّوني على السوق

مشاهدات

 


سعد احمد الكبيسي 


عند عودتنا من بغداد، مررنا بمدينة الفلوجة بعد أن أرهقنا الجوع . وبعد تناول العشاء في مطعم “زار زور”، خرجنا من باب المطعم، وإذا بشاب يحمل بيده زجاجة عطر، يرش منها لكل من يخرج من المطعم. سألته عن اسمه فقال : (حسين حيدر) . كان فعله هذا جزءًا من فن التسويق، حيث وضع بسطة بسيطة ومتواضعة لبيع العطور قرب باب المطعم. هذا الموقف ذكرني بمقولة سيدنا عبد الرحمن بن عوف عندما وصل إلى المدينة، وقد خرج من مكة لا يحمل معه إلا زاد الطريق . فعُرض عليه المال لمساعدته، لكنه قال بثقة التاجر الذي لا يُلقي بحمله على الآخرين : “دلّوني على السوق”. وبعد فترة قصيرة، أصبح من أغنى رجال المدينة .

 

كثير من الشباب اليوم لا يدركون أنهم في مرحلة الشباب ، وأنهم في أوج طاقتهم وقادرون على الإبداع . فالعديد منهم يشتكي من الظروف التي يعيشونها، مثل عدم توفر فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم وجود من يدعمهم في سعيهم نحو العمل . فأين نحن اليوم من السوق؟! وأين من يشتكي من قلة الوظائف عن أفضل الكسب في البيع والشراء؟! سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : (أيُّ الكَسْبِ أطْيَبُ؟)، قال: “عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ”. فيا من لم يجد وظيفةً، ويا من لا يكفيه راتبه، عليك بالسوق : فلَأَن تبدأ صغيراً كصاحب بسطة العطور، خيرٌ من حاجتك للناس . قال صلى الله عليه وسلم : “لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ”. لكن للأسف، بعضهم يختار أن يكون فريسة ، منتظرًا من ينقذه من براثن الصعوبات، حجته : أين نجد الإمكانيات ؟ بينما يقرر آخرون أن يواجهوا التحديات بشجاعة . 

 

قال تعالى : “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”. وانظر إلى قائمة أغنياء العالم، هل هم أصحاب التجارة، أم هم أصحاب الوظائف ؟! نعم، هناك معوقات كثيرة، ولكنها ليست عسيرة، وهناك متطلبات ثقيلة، ولكنها ليست مستحيلة . فإياك وأصوات المثبطين، فتارةً يقولون: الزمان تغيّر، وتارةً يقولون: الأنظمة معقدة، وتارةً يقولون: تحتاج إلى رأس مال كبير، وتارةً يذكرون لك تجارب الخاسرين، ويضعون أمامك ألف عائق. فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، واستخر خير الرازقين، واستشر التجار الحاذقين، فغيرك بدأ بأقل من القليل، ثم أصبح من أصحاب المال الجزيل لذا، يجب عليكم أن تتخذوا خطوات نحو العمل مثل حسين صاحب بسطة العطور في باب المطعم، قبل أن تجدوا أنفسكم محاصرين بالعجز وغير قادرين على العمل والابتكار.


تعليقات

أحدث أقدم