مقامة عبد الرحمن منيف :

مشاهدات

 


 صباح الزهيري

ألأحد الماضي , قدم د. مجيد السامرائي في برنامجه الشهير ( أطراف الحديث ) الدكتور الرائع ظاهر شوكت المعروف بالمنقب في آثار عبد الرحمن منيف , وكانت حلقة رائعة بكل معنى الكلمة , حيث تألق دكتورنا المندلاوي الجميل , في أخراج جواهر وتحف مؤلفات هذا الخبير الاقتصادي والأديب والناقد الحداثي السعودي , وكان د. ظاهر محقا حين قال : أنه يستطيع الحديث عن منيف لساعات لو اتيح له الوقت , ومن هنا وددت ان اضيف مالم يرد في المقابلة من معلومات .
 
يقول سعدي يوسف في قصيدة صلاة الوثني المهداة الى عبد الرحمن منيف :
 
(( يا ربَّ النخلِ, لكَ الحمدُ
امنَحْني يا ربَّ النخلِ, رضاكَ وعفوَكَ
إني أُبصِرُ حولي قاماتٍ تتقاصَرُ
أُبصرُ حولي أمْطاءً تَحدودِبُ,
أُبصرُ من كانوا يمشونَ على قدمينِ انقلبوا حيّاتٍ تسعى …
يا ربَّ النخلِ, رضاكَ وعفوَكَ
لا تتركْني في هذي المحنةِ
أرجوكَ!
امنَحْني, يا ربَّ النخلةِ
 
قامةَ نخلةْ ....
يقول عبد الرحمن منيف في المُنبت :((فإذا لم يُحسن استيعاب التاريخ ولم يجر معرفة الجديد , فإن كل شىء سيتحول إلى ذكريات وأغانٍ حزينة, جزء من الخسارة التى تلحق بالبلدان أنها تركن إلى الأوهام , وتعيش فى الماضى , وتخطىء فى قراءة الواقع واحتمالات المستقبل)) .
 
عبد الرحمن منيف ,هذا الشخص الذي أحتفل جوجول بعيد ميلاده التسعين , يُعد واحداً من أهم الكُتاب والرِوائيين العرب خلال القرن العشرين, وأشهر رُواة سيرة الجزيرة العربية المُعاصرة, وأحد أعمدة السرد العربي البارزة في العصر الحديث, عُرِف مفكراً وناشطاً سياسياً حزبياً ثم خبيراً اقتصادياً , حاصلاً على درجة الدكتوراه وكاتباً صحفياً محباً للفن التشكيلي ثم مؤلّفاً روائياً منصرفاً عن أعمال الصحافة وقاصاً وكاتب سيرِ . ولد في عمان عام وعاش فترةً من طفولته في ظل إمارة شرق الأردن ثمّ في السعودية, أتم مراحل دراسته الأولى في الأردن وحصل منها على الشهادة الثانوية سنة 52م , ثم انتقل إلى العراق والتحق بكلية الحقوق في بغداد حتى عام 55م إذ جرى إبعاده بقرار سياسي مع مجموعة من الطلاب العرب, لينتقل إلى مصر لإكمال دراسته هناك, وقد ارتحل منذ عام 58م إلى يوغوسلافيا لإكمال دراسته العليا في جامعة بلغراد فحصل منها عام 61م على الدكتوراه في الاقتصاد مجال اقتصاديات النفط الأسعار والأسواق, مارس العمل السياسي الحزبي زمناً , ووصل الى درجة عضو قيادة قومية في حزب البعث العربي الأشتراكي ,ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية ‹الحزبية› رسميا بعد مؤتمر حمص 62م , وعمل بعدها في الشركة السورية للنفط ‹شركة توزيع المحروقات مكتب توزيع النفط الخا، دمشق حتى غادر إلى بيروت عام 73م حيث عمل في مجلة «البلاغ» اللبنانية وكان قد نشر أعماله الروائية الأشجار.
 
عام 75م عاد ليقيم في بغداد, وعمل في مكتب الثقافة وألأعلام التابع للقيادة القومية لحزب البعث ,وتولى تحرير مجلة «النفط والتنمية» العراقية حتى عام 81م حيث غادر إلى فرنسا متفرغاً للكتابة, وقد عاد إلى دمشق خلال عام 86م حيث صارت مقر إقامته الدائمة, إلى حين توفي وبها دُفن بناء على وصيته . كرّس نضجه الفكري والثقافي العام لممارسة الكتابة الروائية التي بدأها بعد أن بلغ الأربعين من عمره, ما جعله يصنع لنفسه خصوصية أدبية مبكرة خلال تلك المرحلة المتأخرة نسبياً من حياته, وعالما روائيا سرديا معقدا , وضع فيه خلاصة رؤيته للحياة , وقد ركز اهتماماته على حرية الإنسان, وما يجب أن تكون عليه هذه الحرية, والمتتبع لأعمال مُنيف يجد أنه قد أضاء فضاءًا فسيحاً في جوانب هامة من الرواية السياسية العربية وتناول فيها أشكال وأنماط جديدة لم تعهدها من قبل , طوّر في رواياته مقومات التعبير النفسي ‹الباطني› العميق, فالتقط الانفعالات الإنسانية لحظة وصولها إلى سطح الوعي في صورتها الأولى, كذلك استيعابه الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة المعاصرة, سيما وأنه كان على اتصال مستمر مع ما تنتجه من دراسات ومصطلحات علمية حديثة, مفيداً منها ما ينسجم مع الثقافة العربية, إلى جانب إعطائه مسافة كافية لخصوصية هذه الثقافة ونتاجها في الأدب والنقد . أدرج في المكتبة العربية ما يزيد على ثلاثين كتاباً بما في ذلك أعماله الروائية ومؤلفاته الفكرية والنقدية في فنون الرواية, والفنون التشكيلية, والسيرة الذاتية, وسائر الآداب الإنسانية, وأُدرجت أعماله ضمن برامج التعليم في جامعات أوربية وأميركية, ووافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونسكو على ترجمة أعماله إلى ما يقارب عشرين لغة حية في العالم.

تعليقات

أحدث أقدم