الصورة

مشاهدات


 


 

فائزة الفدعم 


)  يريد المرء أن يُعطى مناه ويأبى الله الاّ ما يريد   (

 

ذات صباح مشرق وعندما كنت أبحث في مكتبتي القديمة عن كتاب يعود لوالدي رحمه الله وبعد جهد جهيد وجدته ، وأخذت أقلّب في صفحاته التي تهرأت بعض حوافها واستحال لون أوراقها للإصفرار بفعل الزمن ، فأذا بصورة شخصية لي بين الصفحات اعادتني إلى الماضي الجميل عندما كنت في مرحلة السادس الابتدائي  .

 

كنت في مدرسة الزهراء الابتدائية حتى اكملت الخامس الابتدائي ، والتي أصبحت بعيدة عن دارنا بعد انتقالها الى بناية اخرى مقابل المكتبة المركزية وهي ( اعدادية القدس في الوقت الحاضر ) ولبعد المسافة تم نقلي إلى مدرسة النجاة النموذجية للبنات ، وكانت المديرة هي الست بدرية رحمها الله ، وقد جمعتنا وابلغتنا بعد اعلان نتائج الدخول للامتحان الوزاري وكنت من ضمن المشمولين بدخول البكالوريا . ابلغتنا ببعض الطلبات المشروطة ومنها جلب صورة شخصية على ان تكون واضحة وان نقوم بتحضير اقلام رصاص عدد ٢ ومبراة ( مقطاطة ) وممحاة ومسطرة وقلم جاف لكتابة الاسم على الغلاف الخارجي ، وان يكون الهندام مرتباً ايام الامتحانات وهو صدرية سوداء وقميص أبيض ويكون الشعر مرفوعاً بشرائط بيضاء والاظافر مقلمة والحذاء أسود مصبوغ جيداً والجوارب بيضاء قصيرة ، أبلغتنا بذلك وهي تقف أمامنا وكأن على رؤوسنا الطير لشدة هيبتها ، كانت جدية وصارمة وبين الفينة والاخرى تدق بكعب حذائها الرفيع على الأرض وكأنها تستجمع أفكارها ، وانتهت المحاضرة الخاصة للمديرة وبدأت أفكر في الصورة لان باقي الالتزامات مهيأة وموجودة ، فبدأت الاستعداد لليوم التالي ( يوم التقاط الصورة ) فنمت مبكرة وأنا احلم بها . وفي اليوم التالي استيقظت عند ذهاب والدي الى الجامع لصلاة الفجر ولكني افتقدت وجود والدتي فسألته

 

اين امي ؟

 

فأخبرني انها ذهبت عند احدى الجارات لتقف معها اثناء الولادة وانا بين مصدقة ومكذبة انتظر أن تشرق الشمس ، اشرقت ولم تاتي والدتي ولما عاد والدي من الجامع كعادته ومعه الخبز الحار والگيمر خرجت مسرعة إلى بيت الجارة فوجدت امي مبتسمة لأن الولادة كانت يسيرة ورأيت والد المولودة على عتبة الدار والطفلة الجميلة موضوعة على طبگ والطبگ موضوع على تنكة ( صفيحة معدنية ) والقابلة تقول (صلوات ماشاءالله فگست عيون الحاسدة ، صلوات ما شاء الله بردت عيون الحارة ) ووضعتها القابلة في فراشها الصغير وهي تقول (شتاكل ام البنت تمن مطبگ وسمك وشتاكل ام الولد كتلة وطردة من البلد ) وتربعت القابلة على الأرض وامامها طاوة ( مقلاة ) طماطة مقلية وخبز وشاي وكنت كثيرة الإلحاح على امي للعودة للبيت وعند خروجنا صادفنا والد الطفلة فقالت له امي كل بنية تسوى الف ولد ( يمكن مواساة ) لأن والد  الطفلة كان عابس الملامح .

 

وأخيراً عدنا إلى البيت وغسلت وجهي بالماء والصابون والليفة ليظهر ابيض االلون في الصورة وذهبت إلى بيت الجارة أم بلال لتصنع لي ضفيرة جميلة مناسبة ولبست ثوبا ابيضاً من التافتا الحار صيفا والبارد شتاءا واقراطا من اللؤلؤ وقلادة فاكتملت الاناقة ووضعت العطر فضحك والدي وقال ان العطر لا يظهر بالصورة فضحكت وخرجت بمعية أثنتان من صديقاتي ووالد واحدة منهن وكاننا ذاهبات لنأخذ صورة التخرج من جامعة (كامبردج ( !

 

ذهبنا الى مصور قرب الحمام وانا وصديقاتي نقرأ لافتات على الحائط على طول الطريق في منافسة وسباق ومن منا تقرأ بصورة أسرع من الأخرى ، ومن الكتابات (الحسود لايسود ) و ( هي هي مخبل ) و ( وين ماكو حافي على گلبي لافي ) و (عيش أبخت وموت أبخت مكرود يالمالك بخت ) وقرأت كتابة على باب قديم مغلق لا ازال اذكر مكانه حتى الان (بخت النايمين للضحى ) وفي طريقنا مررنا بمرطبات الكوثر حاليا وكان سابقا بيت تسكن فيه صديقتي سميعة خليل من عائلة الكهربائي اسماعيل الله محييها ، وكان مفترق الطرق بداية دخول شارع الحمام كان هناك اخوين نزحا من مدينة العمارة لبعقوبة وهما كاظم شكيلة وقاسم شكيلة يمتلك كل منهما عربة فيها ما لذ وطاب ويبيعونه للتلاميذ ، وكان كاظم يسكن خلف مطعم العافية يبيع في عربته عنبر ورد وعلوجة وسمسمية وتمرهند ابو الخيوط وحلقوم وملبس وجكليت ابو الحليب ونفاخات وحب رگي وحب بطيخ كانت هذه الأشياء يعشقها الاطفال والاخ الثاني قاسم يمتلك عربة مشابهة احدهم يقف بالضبط مقابل حلويات الأمير حاليا وقاسم قرب حلويات الكوثر في راس العگد قرب بيت صديقتي سميعة خليل ، كانا اخوين طيبين احدهم يلف على رأسه عمامة خضراء كانت لهم بوالدي صلة وثيقة أيام كانت الألفة والطيبة وحب الخير تعمّ القلوب ، وكانت خالتهم ام مزعل تسكن في البقجة العائدة لبيتنا على نهر خريسان حيث اسكنها والدي وابنها مزعل وابنتها الست فهيمة في الحديقة بعد ان بنى لهم غرفة وليوان وهي طرمة غير مسقفة ، ليكونوا قريبين منا .  

 

بعد شراء بعض الحلويات من هذه العربة استمرينا في المسير الى المكان المقصود ودخل والد صديقتي أولاً والتقط المصور صورة لابنته ، ثم جاء دوري واستلمنا الصور التي كانت جميلة الاّ صورتي استلمتها وانا أتمتم بداخلي ما هذا ؟

سألته : ( عمو ليش الصورة محلوة وسودة )


فضحك المصور ضحكة بلهاء أصابتني في الصميم وقال :


ليش انتي بيضة ؟




 


 

 

 

 


تعليقات

أحدث أقدم