مقامة الخزامى :

مشاهدات


 

 

صباح الزهيري


يصف امرؤ القيس أنياب محبوبته بطيب الخزامى ورائحتِه  :

(( كأن المدامَ وصوب الغمام    وَرِيحَ الخْزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ

يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أنْيَابِهَا               إذَا طَرّبَ الطّائِرُ المُسْتَحِرْ)).


ماالذي جاء بهذا العشب الى بالك لتنشريه ؟ ولتعيدينا لأيام كانت نبتة الخزامى البنفسجية تغرق حقول أهلنا في ربوع ديالى ؟ ولما أدركنا زماناً مذبوح َالأشجار ورفاقا لا يلتفتون إلى الماضي كما يقول ابراهيم البهرزي ,نسأل أهلنا لما لانرى الخزامى هذه الأيام ؟, يجيب الكبار , لقد ذهبت البركة مع أهلها , وأنقرض الخير مع أهله , لازلت أذكر قصيدة النواب مظفر حين يشتم رائحة الخزامى وهو في السجن ليقول : (( وأشهك وأصعدك للسمه بحسرات وبعتة حزن )) . 

 

ترى أي حزن يبعث البنفسج ؟ لتقول الأغنية الشهيرة : (( ليه يابنفسج بتبهج وأنت زهر حزين ؟)) .


عندما كنت في جنيف , وهي كما هو معروف العاصمة الأوربية للامم المتحد ة, تصيب زائريها بالملل بعد يوم او يومين , ليس لإنها تخلو من المعالم الملفتة او لفقر أبنيتها التاريخية من المناظر الممتعة والمثيرة , بل لان الهدوء الأسطوري المخيم على مدينة الحياد الراقدة في أحضان اجمل الجبال يثير الملل في قلوب الزوار ,لأن كل شيء صحيح ومنسق فيها , لا يوجد غصن شجرة شاذ , ولا أصص زهور متناثرة , وحتى بجعات البحيرة يسبحن بنسق وكأنهن يؤدين فالس شتراوس , وهكذا كنت حين يصيبني الملل , أنطلق بسيارتي الى الريف الفرنسي المجاور , لأمتع نظري بجمال طبيعته , وجمال أزاهيره التي يحضنها ألأخضر الجميل الذي يغطي الأرض وصولا الى أفق السماء , ومن بين تلك الأزاهير يعم اللافندر البنفسجي , الذي ترتاح له العين ويطمأن فيه الفؤاد وتعاودنا الذكريات .

 

توارثت بعض الشعوب , أن تلك العشبة البرية (اللافندر) , التي عُرفت في تراثنا العربي باسم (الخزامى) هي هدية الله إلى الأرض , وأنها من أزهار الجنة , التي أنبتها الله في الأرض , بسبب منظرها الأخاذ ورائحتها الطيبة وفوائدها الطبية المشهورة , وحتى يلتمس الناس منها شيئاً يسيراً من نعيم الخلد المنتظر, وقد عرف العرب الخزامى كنبت ربيعي , ويظهر في الأرض الرملية , لأنه من نبات مواطنهم , وهو ذو رائحة زَكية , وقد ذهب الأصمعي إلى أنه أفضل النبت العِطْرِيِ عند العرب , واستد ل على ذلك , بقول أعرابية تترقص ابنا لها  : 

(( يا حَبَّذا ريحُ الولدِ, ريحُ الخُزامى في البلدْ.أهكذا كلُّ ولد  , أم لم يلدْ مثلي أحدْ ؟)), 

وهذا حافظ ابراهيم يقول: ((بِالَّذي أَجراكِ يا ريحَ الخُزامى بَلِّغي البُسفورَ عَن مِصرَ السَلاما)).

تعليقات

أحدث أقدم