مقامة مناجاة العشق

مشاهدات



 صباح الزهيري

 

جاء في الأخبار أن أمير المؤمنين (المأمون) في أحد مجالسه سأل القاضي يحيى بن أكثم ما العشق ؟ فقال يحيى : ((سوانح تسنح للمرء, فيهيم بها قلبه, وتتواتر بها نفسه)) , ثم التفت المأمون إلى ثمامة قائلاً : هات ما لديك, فقال: ((العشق جليس ممتع, وأليف مؤنس, وصاحب مالك, ومالك قاهر, مسالكه لطيفة, ومذاهبه متضادة, وأحكامه جائرة, مالك الأبدان وأرواحها, والقلوب وخواطرها, والعيون ونواظرها, والنفوس وآراءها, وأعطي زمام طاعتها وقياد مملكتها , توارى عن الأبصار مدخله, وغميض عن القلوب مسلكه,  وأردف قائلاً: لم أرَ حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحق من العشق, هزله جد وجده هزل, وأوله لعب وآخره عطب)) . بعض البشر قلوبهم كورقة خريف جافة مهما رويتها لن تخضر بين يديك أبدا  , فلا ترهق نفسك وأتركها للرياح ,ايها القلب الفارغ , الباحث عن العشق , وحدها الأضواء من خلفك ,وأنت تنظر لأنوارك في السماء, فتصاب بلوثة العقل , فيتقدس جنونك بالوجود وتصير مثل لحن تائه في كبد السماء, مرة قالت أمرأة ذواقة :(( لا يفهم العشق إلا الكبار يا سادة ,  فالرجل الشيخ بحر رجولة عميق , يجب الحذر من أمواجه إن لم تجيدوا السباحة ,وهو أيضاً كالقصيدة العصماء لا يفهمها إلا الذواقة)) .


من قوانين الحياة,كل الذين يحبون المواسم تغدو قلوبهم فارغه عند تغير الفصول , وكل الذين يمنحون الثقة بسهولة يعانون من انكسارات الخيبة التي تصدم القلوب ,  كل القلوب المكسورة التي تعبت من المسير وذاب حنينها أصبحت أرضا بورا بلا حياة ,اننا نعرف ان النور له الكشف , والبصيرة لها الحكم , والقلب له الإقبال والإدبار, آه من الأقبال الخطأ فهو سرعان مايدمي القلوب ويجعلها مليئة بالثقوب وكأنها الغربال , فما الذي يتبقى ؟ ومن أين تأتي الرفة وحتى النبضة التي نبحث عنها ؟ ولماذا نحرمها من كمادة العاشق التي تضطر لأستدانتها ؟ ولنتذكر دائما قانونا آخر عندما نختار , أن القلب أبصر من العين , والعقل أبصر من كليهما. من على صفحات الفيس بوك قرأت لكاتبة لا أذكر أسمها الا اني دونت ماكتبت حينها : (لا تبحـث بين الناس على مَن يُحبكَ لأنكَ لن تجده,  فمَن يُحبك فعلًا ستجده دائمـًا إلى جواركَ  حتى لو كان يفصل بينكم المحيطات و القارات , سَتشعر روحه تَطوف حولكَ و تطوق إليكَ ,فلا تَذهب بمشاعركَ بعيدًا, وفي قانون العلاقات من كان لا يجمع شتاتك, لا تدعه يشتتك, من كان لا يدفئ قلبك لا تدعه يشعرك بصقيع الوحدة , من كان لا يملأ روحك لا تدعه يجعلها خاوية , من كان لا يصنع من الأيام فرحا , لا تدعه ينقلب عليك حزنًا وخوفا, ومن لا يدعمك لا تدعه يهدمك , كن مع من يختارك دائما وكأن الارض قد خلت الا منك) .


تقول أحلام مستغانمي : (( كل شيء ينتظر وقته, لا وردة تتفتح قبل وقتها, ولا شمس تشرق قبل وقتها فقط انتظرالذي لك سيأتيك , لا تبحثوا عن الحب,ابحثوا عن السند, عن مَن يحنُو مودةً و يدنو رحمةً ,عن ساتر العيوب بما تحملون مِن ميزات عن الأمان الذي لا يعقبه خوف ,عن الدفء الذي لا يتبعه برد, ابحثوا عمَّن تتخطون معه عتبات الحب إلىٰ منزلة المودة والرحمة)) .  لاتجعل الطريق المؤدي إلى بساتين قلبك شائكا , ولاتدعِ العسس يغلقوا منافذ العشق  , فأن المسافات الطويلة إلى حيث الشمس تحرق الأشواق, و تذبل الزهور فيجف الاشتهاء , وتكون عذاباتك تلك رحلة شغف خاسرة, سنبقى نطارد الحلم بقصص الوانها متداخلة بين الصدق والخيال , بالوان الطيف النازل على كتف الغروب , على أمل الصحو في الشروق البديع , وألوجد لاتحده خرائط , ولا يوقفه الغرق في محيطات الشغف المرسوم على الذاكرة , ولا نصدق تلك الاقاويل التي يتداولها المتنبؤن بسحر الليل اكثر من غيرهم , أما نحن  فهدفنا تلك الفراديس التي كتبت في القراطيس التي قرأناها عند الغروب . وقديما قالوا : وحق الهوى أن الهـوى سبب الهـوى.. ولولا الهوى في القلب ما وجد الهوى .

تعليقات

أحدث أقدم