مقامة المنتصر : تثنية على مقالة الدكتور محمود الجاف.

مشاهدات


 

صباح الزهيري


يقول د.خالص جلبي : (( الوطن العربي اليوم مقيد في زنزانة تاريخية من أربع زوايا متبادلة التأثير بين مواطن تائه وفقيه غائب عن العصر ومثقف مدجن وزعيم مؤله)) معلوم ان الجهل قوة صامتة تسكن في تجاويف تكوين الأفراد , بغض النظر عن وجودهم في مجتمعات توصف بأنها متقدمة أو متخلفة, الجهل آفة تضرب الناس مثلما تفعل الأوبئة, متعلمون كُثر حمل بعضهم شهادات عالية في مختلف العلوم تطبيقية أو نظرية , لكن فيروس الجهل تمكن منهم , والعالم العربي الذي اكتشف قبل عقود أنه مسبوق ومريض , لكنه أخطأ في اختيار العلاجات, وأمضى أيامه بلا دولة ومؤسسات, هذا الشرق الخائف والمخيف الذي يضمد جروحه بالسحر والخرافات وتلميع الحراب . 

 

يقول إدوارد سعيد : (( مشكلة العرب أنهم لا يشاركون في صنع الحضارة و إنما يتفرجون عليها فقط)) , لقد وجدنا ان آخر ما يرددّه (محللو الغفلة) هو التحذير من أنَّ الحروب الحالية تهدف إلى تفتيت وتقسيم الأوطان العربية , ومرة أخرى يحتاج هؤلاء لتذكيرهم بأنَّ الأوطان العربية قد تفتَّتت منذ أعوام طوال, فهناك فلسطين غزة وفلسطين رام الله، ليبيا طرابلس وليبيا بنغازي, يمن صنعاء ويمن عدن, عراق بغداد وعراق أربيل, سوريا دمشق وسوريا إدلب وقامشلي , وفوق هذا كله نجد ان من مشاكلنا الأخرى في المنطقة العربية اقتناعنا بالقدرة المُطلقة للخارج على التحكّم بمصائرنا, ثم لومهم على كل شيء بينما نحن لا نفعل شيئاً . يقول إيلينور روزفلت إن : (( العقول الكبيرة تناقش الأفكار, والعقول المتوسطة تناقش الأحداث, والعقول الصغيرة تناقش الأشخاص)) , تفتح هذه المقولة لمتأملها نافذة على آفاق الحوار, ومقدرة العقل البشري على استيعابه, قدر هذه المنطقة أن تكون معجونة بالدين والمذهب, والعرق والطائفة, ولم تزل (الهويات القاتلة) , تعمل فيها بكامل طاقتها, ودون إدراكٍ عميقٍ لتلك الهويات وتشابكاتها وتعقيداتها فالتحليل السياسي يخبط خبط عشواء,ان ارتباط القومية العربية بالسُّنة أشهر من أن يذكر, ومن هنا فضرب الهوية السنية يتمّ بالتزامن مع ضرب الهوية العربية, تلك طائفياً وهذه إثنياً, ودون إدراك (التشيع السياسي) الذي قادته إيران في المنطقة بدعمٍ غربي مباشر أو غير مباشرٍ ويتسبب في العديد من الحروب الأهلية والحروب الساخنة في المنطقة, فإن التحليل السياسي يبدو معاقاً عن الفهم . 

 

ونثني على مقالة الدكتور محمود الجاف حيث إن كانت العهود السابقة توسم بالانضباط المفرط حد الاستبداد فاننا نعيش اليوم عهدالاستهتار المفرط متعدد الوجوه استهتار وظيفي واستهتار عشائري واستهتار طائفي واستهتار طبقي واستهتار ثقافي واستهتار مناطقي وبالمجمل فانك لا تكاد ان تجد مظهرا واحدا من مظاهر الحياة العامة يخلو من طبائع الاستهتار وكإن َّ العبيد الذين عاشوا عقودا أذلةً تحت قوانين الانضباط والاستبداد لم يجدوا طريقة للتعبير عن خلاصهم غير الاستهتار وهذه سمة العبيد مؤكداً فهم لا يعرفون للمنطق والتوازن سبيلا . لقد تيبست جذور شجرة شرف الكثير من العراقيين, وذبلت غصون وطنيتهم, وعصفت رياح المصالح الذاتية بأوراقهم اليابسة فتساقطت تحت البسطال الامريكي والخف الإيراني , واصبحوا كحيوانات السيرك, وظيفتهم الوحيدة تسلية الناس وإضحاكهم بتفاهاتهم وجهلهم وسذاجتهم , شعارهم الجديد (الصمت يصنع النصر) وليس (الصمود يصنع النصر), والحرب الاعلامية بدلا من الجهاد ضد الاحتلال الغاشم, وهذا طوفان الأقصى الشاهد الحي على قبول العار بدلا من الثأر, وبدلا من أن ينهضوا ويكسروا القيود ويحطموا الفساد, ناموا وأوكلوا المهمة لمن يتعجلون فرجه منذ (12) كإنما الأمم المتطورة نهضت بمهديها المنتظر وليس بإرادة شعبها وصحوته وثقافته ووعيه, الوفاء للقدس وتحريرها لا يتم بالأهازيج والقصائد وأبواق الأعلام، وإنما بالفعل المسلح .

 

قال ابن الرومي :

 

والكَلْبُ وافٍ وفِيكَ غَدْرٌ ففِيكَ عَنْ قَدْرِهِ سُفُولُ

وقد يحامي عن المواشي وما تحامي ولا تصول.

 

وهنا نتسائل أليس وجود قائد استثنائي (سوبر كوماند) بصلاحيات مطلقة ومجلس استشارة تكنوقراطي من النخب اكثر جدوى من كل منظمات المجتمع المدني والأحزاب وتنظيرات العقائد وصراعات الحصول على المكاسب التي هدرت في مطامحها دماء الشعوب الساذجة ؟ أليس الفرد الاستثنائي الذي يظهر خلال لحظة تاريخية فارقة اكثر انجازا من حركات جماهيرية كثيرة تبدد الزمن وتبدد الشعوب في شعارات لا يتحقق شيئا منها في الأخير ؟ ام ان انتفاضة شعبية جديدة أعمق وأوسع وأشجع من ثورة تشرين , تقلب الطاولة على هذه الشلة بكاملها, كي يتحقق السلام والأمن والرخاء لهذا الشعب الذي أثقلت كاهله السنون.؟

تعليقات

أحدث أقدم