صباح الزهيري
كتبت السيدة مونيا صاري العبودي نصا جميلا بعنوان انا وقهوتي المسائية, فأحببت أن أسهب لها عن أحاديث القهوة .
يقول مكسيم غوركي : (( كل شيء يحترق بالحرارة ويصبح رماداً, إلا المشاعر فإنها تحترق بالبرود حتى تختفي نهائياً دون أثر)) , ما أصغر ذائقتنا وما أوسع دائرة الأحلام التي تحلق بنا, مع جلسة قهوة المساء , ففي الزَحْمَة نحْتَاجَ إِلَى اَلْهُدُوءِ , ونذَهَبَ بَعِيدًا مع رشفة القهوة لِنكْتُم الضَجِيجَ الا ان ثَرْثَرَة العَقْلَ توقظنا . جميل ومؤرق حديث القهوة مع النفس , ألا بئس هذا التناقض , انهما لا يجتمعان مثل الخوف والحب نراهما مشروبان لا يمتزجان اما أن تموت ارتواء أو تموت من الظمأ, فى الحب لا تستطيع أن تمسك العصا من المنتصف ستخسر دائما المعركة , والحب هو المنتصر, أتعلمين ما يقول لك فنجان القهوة ؟ مسكينة لا يمكنك تذوق طعم شفتيك .
حين نعتكف مدالج العتمة, على ناصية الألوان ,تسجد الروح تستنطقها هاتفةً, ان مَن هشم مدارج العشق غير عابئ بكينونة الطين، فلِمَ النار باتت باردة كالغياب؟ وماذا عن الظلام الذي يسكن الرؤوس التي يمحقها الحزن ؟ فتنحني لتلثم أيامها المشوبة بنتفة فرح كانت في أحلامها ببعض ارتباك . هناك مواجيد تخبو في قلوب عاشقة, لا تأبه لعساكر خريف العمر ,القصائد, الوعود, التراتيل, هي مجرد أضرحة لأحلامنا الخائبة, أنه حزن أحمق, سببه وحدانية ترفس بين ألأضلع والجنبات . وعندما يطول حديث النفس مع قهوة المساء اجد ما بين روحي وروحك همسة شوق لا يسمعها الا نبض قلبي وقلبك فقد تكون بعيداً عن نظري لكنك لست بعيداً عن روحي , وفي حلم ألأتكاء حيث تعد لَهُ مُتَّكَأٌ , اِسْتَنَدَ بِقُوَّةٍ عليه , وأَرَادَ الِوُصُولِ لِأَعْمَاقِهَا , وَصَلَ أَعْلَى دَرَجَاتِ اَلْعِشْقِ بِهَا , الا ان هَشَاشَةُ قَلْبِهَا أَسْقَطَتْه, مع صحوة اليقظة, كان عليها في ذلك المساء ان تترك احمر شفاهها على فنجان قهوته , كي يدمن ذاك الفنجان عشقا وولعا بها, آه يا حلم رائحة القهوة لم تُمهل شهقة تمنحك الحياة , فنحن نقع في حُب أشخاصٍ لا يُمكننا الحصول عليهم .
ترى من الذي كتب : يثبُ الفنجان من لهفته في يدي شوقاً الى فنجانها ؟ يتراءى لها ان صوتُ الديكِ مليءٌ بالرجولة , لذلك فإنّ كلّ صبايا القرية , يتركنَ فراشهنّ المبلّل بالأحلام ليصنعنَ له قهوته الصباحية , وعندما اشرب القهوة اشعر أنّ شجرة البُنّ الأولى زُرعت لأجلنا , وفي رائحة القهوة نجد أن المحبين يتعزون بالروائح , تريد ان تشم رائحة حبيبك البعيد , تلك الرائحة الكفيلة بأن تجعلك تتماثل للشفاء , والتي تخاف ان تخبر بها من حولك فيحسبونك مجنونا . ومع مرارة القهوة وعطرها تتصاعد مرارة الذكريات الحلوة , التي تكون مرة حين نضيعها , عندما تذكر انه قال لها : لاتتركي عطركِ يتسكع في فضاء مساراتك , فما زالَ قلبي طفلاً يعبث بأجملِ الاشياء, وعندما أهداها نرجسا, لأنه قرأ لشاعرة تقول : ((لأن أغلب الورود تموت في الشتاء إلا النرجس يميته الدفئ ويحييه البرد , فلا تجادلي الورد في مكان منبته أينما لقى الجمال نبت وصار مسكنه , فالورود مثل الارواح والقلوب والطيور تهبط بالمكان الذي تشعر فيه بالامان)) . عندما تشعر برغبة في التواصل بين دروب الكلمات والمعاني , لتحقيق علاقة تقابل مجازي , تأتي جلسة القهوة المنفردة , فكل الدجاجات ماكرة , أذا كان كاتب الرواية ثعلبا, خصوصا عندما نحس بلذة السرد , وصوره العميقة بعمق إحساس الرؤيا المكثفة بالتجارب والتمرس في دروب الحياة , أو ذلك النوع من التماهي السلوكي, مستشعِـرين بأننا طرف في سياق النص, أليس كلنا يتماهى بحلم لمستقبل مائز ومتميز عن الحاضر رغم تجاوزنا السبعين؟ ها أنت تمد العمرعلى مسافات البعد, فلا العمر يطول ,ولا المسافات تقصر, وبينما نحنُ ننتظر ان يمر الصعب ، مَر العُمر .
إرسال تعليق