مقامة المناضل :

مشاهدات


 

صباح الزهيري


أهداني الصديق محمد السعدي نسخة من كتابه الجديد ( الحلم والشهادة ) الذي يتناول فيه سيرة حياة خاله الضابط الوطني خزعل السعدي ابن قرية الهويدر , ذلك الأنسان الوفي لمبادئه والتزامه بها حد ألأستشهاد , وهو أمر قل نظيره في عصر مابعد 2003 , حيث اصبح الدفاع عن المصالح والمنافع الشخصية هو الهدف ألأسمى , حد فقدان الشرف المهني والوطني مع نسيان كامل للمبدأية . اعتقد ان مايحسب للمؤلف أنه ذكرنا برمز وطني كاد جيلنا أن ينساه , أما ألأجيال التي لحقتنا فلم تعرفه تماما , وحين نستعيدُ ذكرى مثقف ومناضل مثل خزعل السعدي, إنما نستعيد زمن النضال الصادق الواضح , زمن ذوبان الفرد في الجماعة لا ذوبان الجماعة في الفرد, نستعيد زمن الأنا المترفِّعة لا الأنا الجشِعة المُترَفة , زمن جيل الرواد المؤسسين لحركةِ الوعي الوطني العابر للطوائف والمذاهب والحدود, المنتصر للانتماء الوطني ,المتطلع نحو الجهة الصواب . 

 

ترى كيف نسى جيل جديد من ابناء قريته حتى اسم هذا المناضل ؟ لايعنيني الفكر الذي يحمله ولكن التضحية التي قدمها الروح ( اعز مايملك ) , وكم مِن خزعل السعدي في كل مدينة وقرية عراقية, وكم من مثقف ومناضل أفنى العمر في سبيل نهضة مجتمعه وعزة وطنه ثم طواه النسيان لأنه لم يساير سلطة ولم يحابِ سلطاناً ؟ يُقال أن إسم الإنسان إشْتُقَ من النسيان , لكن الإنسان مع انه لا يتذكر كل الأشياء والأحداث والأسماء , فانه يُبْقِي في الذاكرة أُناساً يصعب , لا بل يستحيل نِسيانهم , وعليه تَختزن الذاكرة دوماً الشخصيات التي لا تتكرر في أفعالها , وقِيمها  ومَبادئِها وصَلابة وحَدِّية وجَدِّية إيمانهم بما إقتنعوا به , فقَدَّموا الغالي والنَفيس في سبيل الحِفاظ عل تلك المباديء والقِيم , التي بالتأكيد تكون سامية عظيمة , تَستحِق التضحية مهما بلغت , والعَناء حتى العذاب لِسِمُوها ورِفْعَتهِا . لقد أصبح في هذا الزمن , كل من هب ودب يدعي النضال والبطولة والريادة , ويسمي نفسه دون أن يسميه الآخرون مناضلا , فأضحت كلمة مناضل يتداولها المنبطحون والمتلونون وكل من لا تاريخ ولا مرجعية له , إنه زمن المسخ السياسي حقا, لقد كثر المناضلون وعزّ النضال والعطــاء , لذلـك ولأسباب كثيرة , سررت لهذا الجهد المشكور للمؤلف لأنه وضع النقاط على الحروف, ووضح وأطر كلمة  مناضل في موضعها الصحيح , كيلا تختلط المفاهيم , ولا تلتبس الأدوار, شهادة للتاريخ والوطن واستحضارا لروح شهداء النضال الحقيقي وشهداء الوطن . 

 

والآن دعونا نتسائل معا , من هو المناضل حقــا ؟ المناضل هو إنسان أولا قبل أن يكون شيئا آخر, كائن يعلي من قيمة الإنسانية إلى درجة التقديس الذي تستحقه , المناضل هو الذي يوقف حياته على قضية الحرية بمعناها المجرد: حرية العقل والضمير واليد , حرية المعتقد والإيمان والممارسة, المناضل ذاك الذي يدافع عن وطنه ويحارب من اجله وهو عادة ذاك الانسان الذي وضع نفسه في خدمة سعادة الجماعة ,هو ذلك الانسان الراقي في سلوكه وافعاله , الذي يدافع على قيم ومثل عالية كالعدل والمساواة والحرية والكرامة والوطن والحق ,  ذلك الانسان الذي يؤمن بمبادئ وافكاريبغي بها الاصلاح وتطوير المجتمع وخدمة الصالح العام , ومن اجل ذلك فهو يبذل جهد المستطاع لتحقيق ذلك متحليا بالاساس بمبدأ نكران الذات ثم التضحية التي تعتبر سلاحه القوي لمقارعة كل العراقيل التي يجدها امامه . ودعونا نسهب قليلا حيث نقول ان التضحية عادة ما تتخد عدة اشكال فهناك تضحية بالمال وتضحية بالوقت وتضحية بالفكر ثم التضحية بالنفس والصبر على الاعتقال والسجن ثم هناك الاستشهاد وهي اعلى درجات النضال, الاحزاب الوطنية العراقية فيها مناضلون منسيون حاربوا وقاوموا الظلم لكن مصيرهم كان النسيان ولم يبقى لهم إلا سراب الذكريات,وهم الذين لم يحصلوا على حقوقهم وأبسطها الإعتراف بالفضل من قبل الوطن . وأخيرا , ألا ينبغي إقامة نصب تذكاري لمناضل ومثقف عراقي ؟ ان المبادرة إلى إقامة نصب تذكاري لمثقف ومناضل سكن الوجدان الجمعي لأهل مدينته ستينات القرن الماضي , وصار علامة مضيئة في تاريخها المعاصر, ومنارة تذكّر الأجيال بالإرث النضالي لجيل كامل شكّل خزعل السعدي رمزاً له اقل لمحة من الوفاء يمكن ان نقدمها له ولسائر شهداء العراق . في اصدار هذا الكتاب رسالة لكل مناضل حر شريف تقول : ايها الفارس الشهم يذكرك رفاقك واخوتك الاحرار اصحاب الاقلام الحره المترفعين عن فطائس هذا الزمن الرديء, اما الذيول والمخانيث والطفيليين فيتجنبون ذكر الرجال صدر الدواوين ولا يترحمون عليهم لانهم يشعرون بعقدة النقص اتجاه الاحرار واصحاب القيم والمعاني العاليه والمترفعين عن مخالطة الخونه والعملاء .

 




تعليقات

أحدث أقدم