علي حمادة
من يريد أن يدخل حرباً لا يهدد بها أربعة أسابيع على التوالي . يدخلها من دون مقدمات أو إخطارات للعدو . هذا المبدأ ينطبق على الطرف الذي يعتبر أنه معني أيديولوجياً أو قل إيمانياً بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي . وبالتالي فإن الخطوات التي تقوم بها إيران وفصائلها الممتدة من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن ، مع تلويح المسؤولين الإيرانيين بتوسع الحرب لتشمل دولاً أخرى في المنطقة ، تعني أن الفصائل المسيطرة على هذه الدول ستتدخل وتناوش إسرائيل والولايات المتحدة في الساحات المفتوحة أمامها . لا حديث عن تورط إيراني مباشر بأي حال من الأحوال . إيران تعرف أن تورطها في حرب مباشرة مع إسرائيل معناه أنها ستواجهها وخلفها الولايات المتحدة ومجمل حلف شمال الأطلسي "الناتو". كما أن تورط الفصيل الإيراني الأهم في المنطقة، ونعني بذلك "حزب الله"، في مجابهة تتجاوز الأطر المضبوطة (حتى لو حصل تصعيد أكبر) معناه أن إسرائيل ستمضي إلى النهاية في مواجهة كبيرة مع "حزب الله". صحيح أن الحزب المذكور قادر على إلحاق أضرار كبيرة ومؤلمة بإسرائيل، لكن الأخيرة وبما أن المعركة وجودية بالنسبة إليها قادرة على تسطيح نصف لبنان إن لم يكن أكثر .
من هنا فإن تكتيك المشاغلة على الحدود لإسرائيل الذي يمارسه "حزب الله" منذ ثلاثة أسابيع ونيف، يستغل موقفاً أميركياً معلناً وملزماً لإسرائيل الواقعة تحت صدمة عملية "طوفان الأقصى"، مفاده أن لا رغبة في توسيع الحرب، وفي فتح جبهات أخرى. لا بل إن الولايات المتحدة تضع الحشد العسكري الذي يتجمع في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وخليج عمان في سياق ردع إيران ووكلائها عن التفكير بتوسيع نطاق الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس" في غزة إلى ما يتجاوز الخطوط الحمراء الراهنة . من هنا فإن جميع الأطراف تعرف ما هي الأثمان التي يمكن دفعها في حال تجاوز الخطوط الحمراء . فمصير قطاع غزة حتى هذه اللحظة لا يزال يتأرجح بين نصف احتلال إسرائيلي ، واحتلال كامل . وخصوصاً أن التفكير الإسرائيلي والأميركي نوعاً ما يتركز على مرحلة ما بعد الحرب وما بعد حكم "حماس" في غزة . الهدف من العملية البرية الإسرائيلية ، ومن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في العملية، مضمونه الفعلي هو إنهاء حكم "حماس" في غزة وتغيير الواقع في القطاع. لكن الفاتورة البشرية هائلة ، إلى حد أن واشنطن غير قادرة على حماية الموقف الإسرائيلي لأكثر من عشرة الى خمسة عشر يوماً. وبالتالي أمام تل أبيب نافذة زمنية لمحاولة إتمام عمليتها البرية في شمال غزة، وإذا أمكنها في جنوبها، لا تتعدى الأسبوعين على أكثر تقدير.
وثمة مراقبون يعتبرون أن الحد الفاصل قد يكون متلازماً مع القمة العربية الطارئة التي دعت إليها المملكة العربية السعودية وستكون يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري . وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تل أبيب اليوم لمناقشة مسألة المعونات الإنسانية إلى غزة، ومشروع استقدام مستشفيات عائمة (بواخر) إلى قبالة شاطئ رفح المصرية من أجل إفراغ المستشفيات التي لا تزال عاملة، ويتهم الإسرائيليون حركة "حماس" بأنها حوّلتها - وبخاصة مستشفى الشفاء - غطاءً لغرفة القيادة والتحكم المركزية لـ"كتائب القسام". للتذكير كان المستشفى أيام الاحتلال الإسرائيلي غطاءً لغرفة عمليات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي أقيمت تحت المبنى مباشرة. ومن المؤكد أن بلينكن سيناقش في تل أبيب وفي عمان التي ينتقل إليها مباشرة القضية الرئيسية المتعلقة بمرحلة ما بعد حكم "حماس". وهنا مسألة شديدة التعقيد، لأن دولتي الجوار العربي، أكانت مصر أو الأردن، ترفضان حمل كرة النار الغزاوية. قبل أن يصل بلينكن إلى إسرائيل، وتعليقاً على التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، قال إنه "ليس من مصلحة أي طرف أن يكون هناك أي تصعيد". معنى هذا أن إسرائيل لن تذهب بعيداً في ردها على الهجوم المنسق الذي قامت به عناصر "حزب الله" على أكثر من عشرة مواقع وأهداف إسرائيلية في الجليل الأعلى. لكن على "حزب الله" أن يدرك أن موقف بلينكن ليس ضوءاً أخضر له لتجاوز الخطوط الحمراء قبل خطاب اليوم أو بعده.
إرسال تعليق