هل باتت الزعامة السعودية عربياً مثار تساؤل

مشاهدات




د. نزار السامرائي 


توقع مراقبو الأوضاع السياسية في السعودية، وعلاقاتها العربية وبدول الخليج العربي خصوصا، والتي تريد تصويرها وكأنها علاقات الأب مع أبنائه ، ومحاولتها انتزاع دور زعامة دول مجلس التعاون الخليجي، ثم الانتقال بتلك الصفة لزعامة الأمة العربية، وسط دعم دولي لمحمد بن سلمان، الذي بدأ يسابق نفسه لتقديم كل ما يرضي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، من إجراءات وتدابير على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وبحكم وجود هذا الرجل القوي في المملكة وصانع الملوك ، الأمير محمد بن سلمان ، توقعوا أن يبطش ولي العهد بوزير الخارجية الطيّع القياد والانقياد الامير فيصل بن فرحان، كما فعل بن سلمان بخصومه من أمراء الخط الأول من أحفاد الملك عبد العزيز، أو بعلماء الدين من الذين كانوا على استعداد لقول كلمة الحق امام سلطان قصر اليمامة الجائر وابنه وتحمل النتائج ، وزج بهم في السجون ، وليُبقيَ على عدد من رجال الدين المسبحين بحمد ولي نعمتهم ، والذين يصح عليهم وصف الدكتور علي الوردي "وعاظ السلاطين".

 

إن من يحلم بقيادة أمة من طراز الأمة العربية ، ذات التقاليد والتاريخ العريق، كما يحلم بن سلمان حلم ليلة الصيف ، يجب أن يتمسك بقضاياها المركزية ويدافع عنها قولاً وعملاً وتحمل نتائج مثل هذا الموقف، وليس الالتفاف على آمالها وطموحاتها بالإنفاق الاهوج على مشاريع تدميرها ، كما حصل في اليمن وليبيا ولبنان وسوريا والعراق ، وأخيرا في السودان ، ومن أُولى تلك الملفات ملف تسمية الخليج العربي بهذا الوصف ، وعدم التعاطي معه كقضية شكلية ، بل النظر إلى هذه التسمية كقضية كرامة وسيادة وطنية وقومية ، والتمسك بالتسمية الحقيقية للخليج العربي ، وتبنيها في المحافل الدولية والدفاع عنها بقوة ومبدئية ، شرط أن يكون ذلك عن قناعة تامة وإيمان راسخ بهذا الوصف ، كي يأتي الدفاع عنه متطابقا مع هذه القناعة المفصلية من تاريخ الأمة العربية المعاصر . ولكن ولي العهد وقف مبهورا من شجاعة وزير خارجيته في قبول إهانة وزير خارجية إيران للسعودية والتعاطي معها بلا مبالاة بلهاء، مع أنها حصلت في الرياض ، وفي مؤتمر صحفي مشترك لعبد اللاهيان مع فيصل بن فرحان ، بصلف وتعالٍ معهودين عن بلاد فارس التي مزق كسراها الرسالة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إليه يدعوه فيها إلى الإسلام ، فهل مرّ بخاطر حكام السعودية تلك الواقعة التي ما زالت الأجيال تستذكرها جيلا بعد جيل ، وتحسب حساب تصرف آخر من أحفاد كسرى قد تخلده أجهزة الإعلام هذه المرة ، فحين لا تخشى فارس العواقب من هذه الدولة أو تلك قبل أن تخشى مسيرة التاريخ الماثل بصفحاته المقرفة ، الذي خلا  فيه الجو لفارس فباضت واصفرت ، لا سيما بعد خروج العراق من معادلة الأمن القومي العربي، الذي كان لمليارات السعودية الدور الأكبر في إنجازه .

 

بعد أن بلعت السعودية هذه الاهانة في عاصمتها ، وراح حكامها ومؤيدوهم من الكتّاب والصحفيون ، يبررون الواقعة بأدب المضيف مع ضيفه حتى لو أساء الأدب أو التصرف ، وحكمة السلوك الدبلوماسي العاقل ، ينتظر المراقبون وصول الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي إلى الرياض ، كما أُعلن رسميا من جانب الطرفين، فهل تكسب إيران الجولة القادمة بالضربة الفنية القاضية ام بالضربة القاضية المُحكمة ؟ وترجع الرياض الى حجمها الحقيقي تجر أذيال الخيبة كقوة أصغر من أية قوة اقليمية ، على الرغم من أنها في قلب عاصفة هوجاء تريد اقتلاع الحرمين من مكانهما ، وتسليمهما لإيران على صينية من ذهب مُوَشى بالماس صنعه أمهر الصاغة الأوربيون وبإشراف أمريكي، من قبل القوى الدولية ذاتها التي سلمت العراق لإيران على صينية من ذهب . لا بد أن تعرف السعودية أن ما برعت به إيران عبر تاريخها الطويل استنادا إلى حكمة فارسية قديمة تقول (احنِ رأسك لحين مرور العاصفة) ، لا تستطيع السعودية ولا يستطيع العرب تطبيقه ، لأنه مخالف لمعتقداتهم وقناعاتهم الدينية والتاريخية والبيئية ، إلا إذا كان التاريخ قد دار دورة كاملة فتغيرت قيم الأفراد والسماعات والشعوب ، فأصبحت القناعات والأفكار القديمة، التي كانت محل اعتزاز عارا ، وما كان عارا صار اليوم سلوكا يوميا لا يخجل منه أحد، بل بات الترويج له وتسويقه في أجهزة الإعلام محل فخر . هذه ثمرة فجة من ثمار التطبيع السعودي الإيراني، الذي حوَل السعودية إلى كيس تدريب على الملاكمة ، في الوقت الذي تكابر وتصور نفسها بأنها صارت عملاقا إقليميا ودوليا لا يطال قامته أحد ، هذا التطبيع الذي أرادت فيه السعودية الخروج من المستنقع اليماني بأي ثمن ، وهذه هي فاتورة جديدة صار على الرياض أن تسدد قسطها فورا، على أن تسدد الأقساط المستحقة دوريا .

تعليقات

أحدث أقدم