حِكاية أبي - في خبائث الإنگريز ..!!

مشاهدات



د. سعد الدوري 


أخبرني (والِدي) - رحمّهُ الله وَرَحُمَّ الله أمواتكُم جميعاً - حِينما كان شاباً مولعاً بأعمال "الكهرباء" - سَمع أنّ هُناك (دورة لتعليم وتطوير أسس - عِلم الكهرباء) - يعِدَّها ويُديرها "الإنگريز" في بناية "محطة قطار كركوك" !!  [وهي مَحطة مُوروثة مِن العهد العثماني الإسلامي من أيام عهد "السلطان عبد الحميد الثاني" - فألف مليون ومليون رحمة نَرجُوا مٌن الله يَكتبًها في ميزان حسناته] ..  أخبرنّي (والِدي) وهو يستذكر - [ أخذنّي وَلعِّي الشديد "بالكهرباء" وكان حديثاً قد دخل العِراق - أن أتقدم لِهذه (الدورة) - بعد أيام قليلة في (الدورة) - أعربّ (المِستر الإنگريزي المسؤول] - (عُذراً نَحنُ لا نتذكر إسمه الآن) - أعربَّ ( المِستّر) عن إعجابِّه بِسُرعة إستلهامِّ (والدي) - لدروس أُسس ومبادئ (علم الكهرباء) ودُروسّها التطبيقية من خلال ما أخبرّهُ المُعلمين (الإنگريز) في (الدورة الكهربائية التعليمية) !! فإقترح (عليه المّستر هٰذا) - أن يعمل (ككاتب مخازن) في "المحطة" وبِدوام مَسائي - مُقابل إعفاءهِ من أجور (الدورة الكهربائية) - ويُخصّص لهُ (راتباً) شهرياً إضافة لِذٰلك  ..  ثُمَّ أضاف (والدي) وهو يحكي لنا حكايته مع (الآنگريز) وهو يقول -  [فرِحتُ ووافقت فوراً - وأنا "شاب" في مقتبل العُمر ..!  فإصطحبنِّي هذا (المسؤول الإنگريزي) إلىٰ موقع مخازن المحطة - وجعلنّي أن ٱشاهد وأعلم ما سأفعله في شروحات مبسطة - كيف أُسجِّل الصٓادِر والوارِد في المخازن - وأرشَفَّة السِلع والبضائع القادمة عِبرَّ القِطار .!! وتوجيه (العمال) لترتيبها في أقسام المخازن ..!! 

 

وَأضاف - بعد أيام  - وقَفَ قطار مُحمّل في عَرباتِه (بالپايسكلات - دراجات هوائية) - نوع "فيليبس"  و"هيركليس" .. وغيرها من الأنواع .... فنادانِّي (المِستر الإنگريزي) الذي كان قد عَيننّا "ككاتب مخازن" في المحطة - وقال- إجلب مَعك "سجل" - (البايسكلات) - و "السِجل الرئيسي العام" للواردات - ثم عِند "القطار المتوقف" في المحطة المُحمّل (بالبايسكلات) قد تم نصب (طاولة مع كرسي) .. فقال المستر الإنگريزي) أنظر (يا كاف) - سوف تجلِس هنا .. وتراقب هؤلاء "العُمال" إلىٰ أن ينتهوا - ثم تأتي إليّ وتناديني لأنني سأكون في غرفتي لأمر هام لبضعة ساعات ..! ثُمَّ أضاف (والدي) - بعد ذلك .. وَجدتُ أحدهم يوجه "العمال" كان (الأُسطة) ..  ويُقسمهم في مجاميع أمام عربات القطار المحملة "بالدراجات الهوائية" وكل (عامل بيده مِطرقة حديد كبيرة) } - وبدأ عدداً من "العُمال" يُنزلون "الدراجات الهوائية" مِن العربات فوق رصيف السكك .. وَعدد آخر  يقوم بِتكسير تِلك (البايسكلات) المُنزلة !!؟

 

يقول (والدي) صُدِمت فَصرّخت فيهم توقفوا ماذا تفعلون !!!

 

- ما الذي تَفعلُونه - وهُنا جاءني (الأُسطة) علىٰ عَجل وهو "يوأهوه"- "أووهههو" - وقال لي - «هٰذا العمل الذي نحن نُكلف به دوماً » ..!!  فيقول (والدي) .. صَرختُ بِوجهه - هل أنتَ مجنون ...؟! يقول (والدي)  تركنّي وذهب - مُنزعجاً - ونادىٰ (المستر الانگريزي ) .. لِيُكلمنّي بِصوت ليؤكد وهو يحدثني (( هذا بالضبط ما أريد أن تتعلمهُ ... وسوف أشرح لك فيما بعد أن يكملوا "العمال" شُغلهم )) ..  قال (والدي) - جلست لساعات و"العُمال" يَجرحون (الحُصن الحديدية) بمختلف الجروح - كما كانت تسمى "الدراجات" أيامها بالعثمانية - (دامير آط) .. وأنا في موقِف صَعب مِن التفكير مَصحُوباً بألم - أراقب هذا المشهد الفضيع - ولم أجد لهُ أي تبرير في نفسي ..؟!  وبعد أن تمّ "التكسير" لِعدد كافي من "بايسكلات" الشحنة .. أعادوها فوق "البايسكلات" الصالحة التي صَارت محجُوبة تحت المتضرِّر منها .. وقِسماً ٱخر من بعض (الدراجات) السليمة تم ترتيبها بِشكل منفصل في عربات القطار بشكل جميل ..!؟ ثم ذهبت لأنادي (المستر) فوجدتَه يدفع أجور "العمال" - ومن بعد رأيتهُ "يُطبطٌّب" علىٰ (كتف الأسطة) - ويقول له بالعراقية - (عَفية .. عَفية داوود عَفية) - ثُمَّ ناولهُ مبلغاً بيَديه ! فبعد أن ذَهب الجَميع .. تقدم نَحوي (المِستر) وهو يُصاحبني بِودية نَحو (مَوقف القطار) وهو يقول - إسمع يا (كاف) - أنت ولد شاب ذكي - عليك أن تتعلم كيف تعمل ، وتكسب المال مِن لاشيء - أن "تكسير" بعض "البايسكلات" من بين هذا العدد الكبير وإعادة ترتيبها هٰكذا من جديد ستكون مِن مَهمامكم القادمة مع أعداد متنوعة من بضائع كثيرة قادمة إلى المحطة !!

 

فوَدَّدتُ أن أسأله وأعلق علىٰ كلامه - لكنه سَبقنّي وأوقفنّي عن الكَلام  .. وقال أنا سأخبرك - أن هذه الشحنة هي تجربتك الأولىٰ - ستقوم بإعداد جَرد الأعداد (السليمة) التي تحت (المُتضرّرة) بتصنيف (المتضررّة) و(السليمة) الباقية في تلك العَربة كما هي ظاهرة (تُبقيها سليمة) !! وفي ذات الوقت تكتب لي في وَرقة كم هي الأعداد السَليمة التي أندثرت تحت المُتضررّة ...!! ثُمَّ تَعِد أنت إعلاناً عن (مزايدة) - يَحضرهُ (تجار بايسكلات) - وببنهم (تاجرين) - نحنُ مُتفقين  مَعهُما علىٰ كل شيء ..!!  وذكر لي إسم (تاجرين من يهود كركوك) ٱنذاك .!! هّما (الوحيدان) اللذان سيَعرِفان ماهو العدد المُخبأ تحت "البايسكلات" المكسرّة .. فَيشترُوها بأسعار زهيدة .! و مِن بَعد سَيدفعون لنا مُقابل ذٰلك عُمولة جيدة !! ثم سألني وهو يبتسم "إبتسامة الإنگرزية الصفراء" - هل فهمت الآن ...؟! وأضاف - بِالطبع سَتكون هّناك "مكافئة" مِن عندي  لك .. فإذهب الآن وأكمل عملك ..!؟ قال (أبي) وهو يَكمِّل لنا الحكاية - ذهبتُ وأنجزت ما كلفنّي بٌه لساعة متأخرة من الليل .. ورأسي كان قد غدا (ككورة الزنابير) مَليئاً - بالأزيز - مِن شِدّة التَفكير والقلق والأرق .!! وبعد أن عاد (والدي) إلى البيت .. وعِند الصباح - وجد (جدي) - أباه - غاضباً - يسأله عن سبب التأخر في قُدومه للبيت يوم أمس ..؟! فأخبرّ والدي (جدّي ) - بما جَرىٰ مَعهُ .. فإنتقلّ (والدي) لِيصفَ موقف(جَدي) - حيث لاحظَ أننّي تَلهفتُ لِمعرفة موقف (جَدي) منه - فَقال بِنبرّة مملوءة عاطفية وكأنّهُ أوشكَ أن يبكي - ياولدي - (( رأيتُ أبي شَهَّقَّ نَفساً عميقاً مِن شدّة ألم الإحتصار حتىٰ ترآىٰ لي أنّهُ يَحتضِّر .. وقال لي - لا تُعاود هٰكذا عمل مع هذا (الثعلب الإنكريزي) .. الأمرُّ لله .. إعتذر .. وقُل لهُ إنني سأعود طالِباً في الدورّة فقط .. لأن (والدي) لا يَسمح لي بالعمل المسائي .. وأضاف (جدي لأبي) قائلاً - أتُعلمنّي بهؤلاء "الثعالِبة المَكرّة" و خُبث فِعالهم .. ! 

 

وقال لهُ (جَدِّي) - (( لقد أمضيت شبابي في الجيش العثماني "چاويشاً " صلباً - قاتلتُ في أعتىٰ صِعابها وخِضتُ أهوالها في أقاصي البِلاد من أجل الحق والإيمان والإسلام .. ولو لا - هَوانّ صِحتي وحَولي وَضُعف قُوتي اليوم .. وكنتُ كَما كُنتُ .. لكنتُ إتخذت قراراً آخر .. ولَا أُقدم لَك هٰذا "النُصح السَخِيف يا وَلدي " بدل قَرار الحَق ..!! 

 

★ نعم هٰكذا (الإنكريز) و طُلابِهم اللاحِقون بِعبادة مَليكِهِّم  - علىٰ خُطىٰ الشيطان في تحريف خُلق الإنسان .. كما ذكرّهُ الله عن توعد (إبليس) لِأبونا (آدم) في القُرآن  - يَزرعون الخُبث وأول بِذُور خِيانات الأوطان بِخيانة الأمانات !! يَستخدمون أموالك وخيراتك وجُهدك .. ويَستغلونها جميعاً لمصالحهم وَيَجعلونّك (كماشة مِن خَشب) بين أيديهم .. فحينمّا تَشتّدْ حماوتها يرمونّها في النار لِتحترق ..!!  إنْ كانت هٰذه إحدىٰ أبسط نماذج خُبث "الإنگريز" في تاريخ العِراق علىٰ مُستوىٰ (پايسكلات) .. فيا تُرىٰ ماذا كان يجري مِن سَرِقات في "مقطورات النفط" - وَبَقية خَيرات العِراق .. ويا تُرىٰ مٰاذا عبرّوا ومرّروا في بِلادنا في (قطار السياسة) علىٰ ((شبكة خطوط السكك العُثمانية العراقية مُن ((بايسكلات للشيعوية))  والخونّة والعُملاء )) لِيجتازوا بِها الحدُود  !! 

 

وخِتاماً علىٰ جميع قُراءنا ألف تحية وسلام ..

تعليقات

أحدث أقدم