البعث ضد الطائفية

مشاهدات

 


 أ. د. محمد طاقة



من المعروف ، ان الأحزاب السياسية جميعها مصدرها الوحيد في الكسب، هي الجماهير الشعبية ، والشعوب في العالم لديها تقاليدها وعاداتها ودياناتها وسلبياتها وايجابياتها وامراضها .. فتنتقل جميع هذه الاوصاف الى جسم الحزب وبنسب متفاوتة ، أي ان سلبيات المجتمع وايجابياته تصب جميعها في اجسام تلك الأحزاب وتتعامل الأحزاب الثورية مع هذه السلبيات والايجابيات، فتعمل على اخذ الإيجابيات وتعزيزها وتسعى الى صهر السلبيات والتخلص منها ولفظها من خلال البرامج الثقافية المكثفة والممارسات النضالية التي تسهم بمعالجة الكثير من امراض المجتمع التي دخلت الى جسم الحزب . ولم تكن الحالة مختلفة مع حزب البعث العربي الاشتراكي فبعد ان التفت الجماهير العربية حوله ودخلت صفوفه وانضوت تحت رايته جلبت معها سلبيات المجتمع العربي وايجابياته، وهنا بدأ الصراع داخل التنظيم الحزبي بين ما هو سلبي وبين الأفكار النيرة والمتجددة والثورية للحزب . هذا الصراع طبيعي وضروري جداً لعملية التطور كونه يمثل تناقضاً ثانوياً وليس تناقضاً تناحرياً . لكن اخطر السلبيات التي تهدد حزبنا هي الطائفية والعشائرية والتخلف، كونها متأصلة في المجتمعات العربية كلها.. فهي بالضرورة تنتقل الى جسم الحزب، كون هذا المعين الذي لا ينضب يحمل في طياته جميع هذه الظواهر الاجتماعية وهي ظواهر متوارثة منذ مئات السنين شكلت تراكمات في الشخصية العربية . وعلى هذا الأساس طرح الحزب في فكره النير موضوع الانقلابية، فالانقلابية عند البعث، هي الانقلاب على الواقع الفاسد المريض والعمل على تغييره جذرياً، وصولاً الى بناء المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الحر والموحد. 

 

وعمد الحزب الى بناء البعثي بناءً خاصاً بحيث يكون نموذجاً مصغراً للمجتمع الذي ينشده . أمام الحزب نوعان من الصراع ، الأول الصراع مع الذات والعمل على تنظيف الحزب من كل هذه الامراض والشوائب كلها التي تدخل الى جسمه، والثاني هو الصراع مع الأعداء، أي أعداء الحزب والأمة العربية . في هذه المرحلة الخطيرة التي مير بها حزبنا العظيم وأمتنا العربية والعراق خاصة.. واحتلال العراق وغزو قوى الظلام له ثم اجتثاث البعث وتعزيز الطائفية ونشرها في العراق دستورياً وعملياً وميدانياً، واسهم بذلك كل من أمريكا وايران والكيان الصهيوني .. بحيث أصبحت الطائفية والعشائرية والتخلف من أخطر الآفات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي . واخطر هذه الظواهر كلها والتي تعمقت داخل المجمع العراقي هي الطائفية، فهي، بالضرورة ستنعكس داخل الحياة الداخلية للحزب، والتصدي لها يحفظ للحزب تماسكه. وهي مسألة طبيعية ولكن علينا ان ناخذ بنظر الاعتبار مخاطرها اذا ترك لها الحبل على الغارب وتم التساهل مع تسربها الى داخل تنظيماتنا الحزبية . أن الطائفية مسألة طبيعية موجودة في الأمم والشعوب كلها، وفي الأحزاب السياسية جميعها في العالم، لكنها تتفاوت بين مجتمع وآخر وحسب درجة تطوره الحضاري والثقافي والعلمي، فنجدها بارزه بنحو صارخ عندنا في العراق لأسباب تاريخية وجغرافية وسياسية، ليس هنا مجال بحثها. لكن الأكيد انها مرض خطير ووباء وبيل قاتل خاصة اذا تم تسيسها واستخدمت من اجل تفرقة المجتمع واضعافه، كذلك اذا استخدمت من أجل تفرقة الحزب واضعافه، وهي أن وجدت مناخاً خصباً يوفر لها العوامل الموضوعية والذاتية ستتفجر حتى تدمر كل شيء داخل الحزب، وهذا على وجه الدقة قد ما تسعى اليه القوى المعادية للحزب وتقسيمه واضعافه .

 

وهنا يأتي دور القيادة في مواجه هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة وبالوسائل كلها من اجل القضاء عليها وتجريم ممارستها داخل تنظيماتنا الحزبية، والعمل على أعادة بناء سياقاتنا النضالية والثقافية، وهذا يتطلب من القيادة حشد جميع الطاقات العلمية والثقافية، واستخدام التثقيف المركزي وتحديد برامج خاصة لتوضيح من هو الطائفي، لعزله وتهيئة برامج خاصة لمعالجته.. من السهل جداً أن يتهم أي انسان بالطائفية، ولكن من الصعب اثبات ذلك كون ذلك مرتبطاً بعوامل عديدة ومتشابكه منها بيئة الانسان ونشأته ومذهبه وسياسة الدولة التي يعيش في كنفها وغيرها من العوامل!! فالطائفي هو الذي ينحاز بداخله الى طائفته التي ينتمي اليها وتربى بكنفها وبذلك سيكون حبيساً لها مدى الحياة مهما تعلم ودرس، فأنه سيبقى اسيراً لهذا الفهم المنحرف حتى لو حاول أظهار عكس ما يخفي!! ان الحزب ليس ضد اعتزاز مناضليه بطوائفهم ، لكنه ضد التعصب للطائفية لانها تفكك تماسكه التنظيمي . ان كل من يتهم الاخرين بالطائفية هو طائفي حتماً لانه بدء بالتفكير الطائفي، وهو بذلك لا يمكمن ان يكون مثقفاً حقيقاً على الاطلاق، فالمثقف لا يتعامل بردود الأفعال كونه موضوعياً بتصرفه وسلوكه. ومهما حاول الطائفي كبت طائفيته فهناك لحظة حاسمة في حياته ولأسباب استفزازية أو نفسية او سياسية وغيرها سينفجر فيها ويعبر عن طائفيته علناً ويتهم الاخرين بالطائفية ويسقط ما في داخله على الاخرين .لا يصبح البعثي بعثياً الا متى ما انقلب على ذاته اولاً حتى يتمكن من انينقلب على الواقع ويعمل على تغييره .. ويقاتل العشائرية والطائفية والتخلف وبقية امراض المجتمع . وإلا لا يتمكن ان يفعل ذلك من دون ان ينقلب على ذاته حتى يتمكن من الوصول الى الموضوعي وهذه قمة العمل الثوري عند البعث..  أي بناء بعثيين حقيقيين ذوي صفات ترتقي الى المثالية في كل شيء في سلوكهم وفي حبهم لرفاقهم وحبهم لشعبهم لكي يكونوا خدماً للشعب، عند ذاك يتمكن البعثيون من قيادة الحزب اولاً ومن ثم الشعب.


البعثي الحقيقي يجب ان يتصف بالصدق والأمانة وهما من صفات الرسول محمد (ص).. ان يصدق مع نفسه اولاً ومع حزبه ورفاقه وشعبه ثانياً، وان يبتعد عن الكذب والدجل والمخادعة والنميمة والغش والتلاعب والنيل من رفاقه وتشويه سمعتهم.. وان يكون اميناً على حزبه ومبادئه وقيمه وعلى القسم الذي اقسم به امام حزبه واميناً على اسرار حزبه واميناً على شعبه واميناً على القيم العليا جمعيها ويدافع عنها كلها . ان البعثي الحقيقي هو الذي استوعب فكر البعث وآمن به ويعمل على تطبيقه في سلوكه اليومي وتعامله مع رفاقه وشعبه وان يكون محبوباً جاذباً وليس عنصراً طارداً، لا يحبه رفاقه ولا جماهير الشعب. ان البعثي الحقيقي هو الذي يستذكر الماضي ليتمثل دروسه ويعيش الواقع الحالي ويفهمه ويفهم ما يدور من حوله من اجل المستقبل ويعرف كيف يوظف هذه العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل.. ولكن عليه ان لا يبقى ساكناً في محله لا يدرك ما يدور من حوله، ويجتر بالماضي فقط، من دون ان تكون له نظرة ورؤيا للحاضر والمستقبل، ان عليه ان يلاحق التطور ويعمل له ويستحدث أساليب جديدة في العمل النضالي لكي يواكب الحياة، التي لا تقف عن التطور لحظة واحدة.. البعثي الحقيقي هو ذلك البعثي الذي يعمل على تطوير نفسه بصفة مستمرة حتى يتمكن من الابداع والتجديد ويعمل على تحفيز رفاقه على العمل الجاد والمثمر.. حتى يتمكن من قيادة الجماهير وبالأخص الشباب، الذين يتعاملون مع التطور العلمي والتقني وسبقوا الكثير من رفاقنا في هذا المضمار. الطائفية في العراق وبعض الدول العربية اصحبت ظاهرة عامة، بعد ان كانت محصورة وتأثيرها لا خطورة فيه، وبدأت تنتشر بين المجتمع واضعافه.. والخوف من ان تنتقل بالقوة نفسها داخل تنظيمات حزبنا العظيم وتؤدي الى تشظي الحزب وهذا ما تسعى الى تحقيقه ايران وامريكا والكيان الصهيوني، من اجل اضعاف الحزب، واضعاف دوره قيادة الجماهير، اذ يتوجب على الحزب ان يأخذ بعين الاعتبار هذه الظاهرة ويتخذ التدابير والإجراءات والقرارات اللازمة للحد من هذه الظاهرة ومخاطرها.. وعلينا مراقبة سلوك الرفاق وتصرفاتهم من أعلى قيادة في الحزب الى أصغر خلية حزبية ان تكون بعيدة كل البعد عن النفس الطائفي والعشائري، حتى نتمكن ان نحدّ من هذه الظاهرة. عندما نتخذ أي قرار نأخذ بعين الاعتبار ذلك، ونوضح مسوغات هذا القرار حتى لا يفسره بعض المغرضين طائفياً !! الوضوح في سلوكنا وتصرفاتنا وقراراتنا يبعد الشك والتأويل والتفسير الخاطئ لدى الجميع حذار من اللعبة الطائفية داخل تنظيماتنا الحزبية بدءاً من القيادة والكادر المتقدم الى اصغر عضو في الحزب، لأنها الورقة واللعبة الأخيرة لدى اعدائنا للنيل من حزبنا العظيم، فهم يدركون ان البناء المتماسك المتين للتنظيمات الحزبية لا يمكن تدميرها الا من خلال انجرار بعض المنتسبين اليها الى التعصب الطائفي والعشائري .


تعليقات

أحدث أقدم