لبنان في قمة العرب

مشاهدات



سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية



يشارك لبنان في القمة العربية المرتقبة ، بعد أيام، يتيما من دون رئيس للجمهورية ، ممثلا برئيس حكومة مستقيلة ، وظيفتها تصريف الأعمال بالحد الأدنى، ومُهَدَّدا بعد الفراغ الرئاسي بفراغ في حاكمية مصرف لبنان وفي قيادة الجيش . وسبب الشغور الرئاسي معروف، ويرتبط بإصرار الفريق المتحكم بالبلد على إيصال مرشح بعينه، على الرغم من عدم قدرته، أولا على تأمين النصاب لإجراء الجلسة الانتخابية ، وثانيا على تأمين الأصوات اللازمة لإنجاحه . وفي المقابل، تحاول القوى النيابية المعارضة طرح مرشح موحد فيما بينها، وذلك بعد فشل استمر أكثر من سبعة أشهر في تحقيق هذا الهدف . وفي المحصلة، فإن "نواب الأمة" الذين يحتفلون بسنتهم الأولى كممثلين للشعب اللبناني تخلفوا أو عجزوا عن القيام بواجبهم الدستوري في ظل أزمة اقتصادية تجاوزت الخطورة إلى تسجيل أعلى نسبة تضخّم اسميّة في أسعار الغذاء ضمن الترتيب العالمي، إذ بلغت النسبة 261 في المئة، في ارتفاع مؤشر غلاء منظومة الغذاء، كنسبة تغير سنوية للفترة بين نهاية فبراير (شباط) الماضي، والشهر ذاته من عام 2022، وبفارق مضاعف عن نتيجة زيمبابوي التي حلت في المرتبة الثانية بنسبة 128 في المئة في مؤشر تضخم أسعار الغذاء. وذلك وفق البنك الدولي في أحدث تقاريره عن الأمن الغذائي حول العالم .

 

ولعل لبنان ليس البلد العربي الوحيد المنكوب، لكنه بالتأكيد الأكثر إثارة للجدل عن أسباب نكبته المرتبطة بفساد طبقة الحكم، وعن استعصاء استنباط الحلول لإنقاذه عبر إبقائه عبئا غير طبيعي وغير منطقي وورقة يلعب بها أصحاب المشاريع والأجندات، فيتأرجح مصيره بين معطيات تتغير من لحظة سياسية إلى أخرى، وكأنه محكوم ببورصة مجنونة، بحيث يصعب قراءة المستجدات التي تسود الواقع القائم على أقصى درجات التجاذب بين الأطراف الدولية والإقليمية، والتي لا بد ستنعكس حركتها عليه وفق مصالح اللاعبين.. بالتالي ، يبدو الحضور اليتيم للبنان في القمة العربية، وكأنه لزوم ما لا يلزم، لا شيء يقدمه ممثلوه على طاولة المباحثات بشأن أزمات المنطقة وسبل علاجها وتصفير مشكلاتها أو الحد منها، ولا مشروع لديهم يطرحونه لتفعيل مساعدة الدول العربية له ، ولا فائدة مأمولة من استدراجهم العروض ليفاوضوا عليها، ويحاولون تحصيل مكاسب إضافية لفريقهم السياسي ومحوره .

 

فالدول العربية ، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تركت لمسؤولي لبنان، سواء كانوا في السلطة او في المعارضة، أو بين بين، ان يحددوا خياراتهم ويتحملوا مسؤولياتهم التاريخية والدستورية لإنقاذ بلدهم. فهي نأت عن التدخل في الأسماء المرشحة، ولم تعلن دعمها او رفضها لأي مسترئس. وموقف المملكة ومعه دول الخليج يسجل سابقة لم يفهمها المتحكمون بسيادة لبنان حتى تاريخه فاللعب على التطورات لن يؤتي ثماره هذه المرة. والكلام عن أن الاتفاق السعودي الإيراني يصب في صالحهم، ربما سيبقى خارج سياق الرهانات، وكذلك عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وما رافقه من انفتاح عربي عليه . فالعرب يتعاملون مع لبنان بسياسات لا علاقة لها بفترة السماح الماضية. يطلبون إلى المتحكمين بمصيره ومساره وضع خطط فعالة وسليمة للاتفاق على رئيسٍ للجمهورية، وتنظيم ملف النازحين السوريين، ومعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة.. فالمسألة اللبنانية سلة واحدة، والتعامل معها سيكون بجملة شروط باتت معروفة، ولن يحلها فرض هذا المرشح أو ذاك رئيسا للجمهورية كأمر واقع . بالتالي، على المسؤولين أن يؤدوا واجباتهم تجاه بلدهم ويقلعوا عن رهنه لمحاور خارجية، ويستأصلوا الفساد الممنهج والمتجذر، وإذا نجحوا فالعرب حاضرون لمساعدتهم، أما إذا فشلوا، فعواقب فشلهم تقع على كاهلهم وحدهم . وحينها لكل حادث حديث .

 

المصدر : عربي-sky-news

 

تعليقات

أحدث أقدم