بالكاد أنا هنا ..

مشاهدات




سحر إبراهيم النصراوي

 


لا أعلم ما الذي اختلف بالتحديد ، أو لعله إحساس يلازمني منذ فترة ، غير أنني لم أحلل أسبابه من قبل . صور كثيرة لطرقات وأزقة ، لا أعرفها ولم  يسبق  أن سرت فيها تتراءى لي وتحتل مخيلتي كلما سرت في طرقات العاصمة ، وسط البلاد كأنني أراها كما كان يجب أن تكون أو أنها صور لأماكن وطرقات تشبهها لم أزرها بعد ..

 

الطرقات التي كانت تتراءى لي ، كانت مضيئة ونظيفة ، بناياتها حديثة وجميلة تعبق أجواؤها بسعادة السائرين فيها .. أما تلك التي كنت أسير فيها ، فقد كانت قاتمة ورثة ، قذرة ، تعبق أجواؤها بروائح كريهة.. ينقبض قلبي لرؤيتها كلما عادت لتظهر وتمحو خيالاتي.. شيء من الثقل والحزن يكسو وجوه السائرين فيها ، كثير من التعب ، نظرات فارغة  ووجوه بائسة ، أجساد مجهدة ونظرات فارغة ، لا أحد يهتم فعلا لما يدور حوله . الأمل الوحيد الذي يحدو الجميع ، هو العودة وبسرعة إلى المنزل ، وهذا في حد ذاته يعد معجزة إن حدث ، لأن وسائل النقل العمومي آخذة في الانقراض ، سائقو سيارات الأجرة وخاصة في أوقات الذروة يتحولون إلى وحوش حقيقيين ، لكن الأمل يظل قائما..

 

شيء من الضباب يكسو عيني , فأغيب وأنا سائرة في المدينة التي لا يراها غيري ، أتأمل طرقاتها ، وأستنشق هواءها ، ثم أسرح عيني في سمائها ويعاود قلبي شيء من الفرح الطفولي ، فأبتسم في وجه كل من تقاطع طريقه مع طريقي ، أخف في مشي ، بالكاد تلامس قدماي الأرض على هذه الطرقات ، بالكاد أحس بطول المسافة و بالكاد أسير فالمشي هنا ، يشبه الطيران .. أصل المحطة في لمح البصر وأركب المترو الخفيف وأنا تقريبا شبه غائبة ، أنظر إلى الذين يزاحمونني بشيء من الود وشيء من الشفقة . قد أنسحب حتى وأترك مكاني لأحدهم ، .. لا بأس لست سوى عابرة في هذه الطرقات وهذه المدينة ، لا أريد لي فيها مكانا.. لأن الطرقات التي أسير فيها أرحب وأجمل والمدن التي تحملني إليها لا تضيق بزائريها..

 

 


 


تعليقات

أحدث أقدم