الدَّراهم مراهم !!

مشاهدات




بقلم سعد احمد الكبيسي 


أما عن  قصة المثل هي :

يحكى أن رجلا تافها كان لا يقيم أهمية لكرامته، فأباح لنفسه ممارسة أعمال مشينة من أجل الحصول على المال، فجاءه أحد أفراد عائلته من باب الحرص على سمعة العائلة لأنه أحد أفرادها، وطلب منه أن يمتنع عن ممارسة تلك الأعمال المشينة التي لا تليق بشخصه وعائلته، فطلب منه الجلوس وأحضر ورقة وكتب عليها كلمات غير لائقة ومن ثم أحضر ورقة نقدية معينة وجعلها فوق تلك الكلمات بحيث أخفت تلك الورقة النقدية الكلمات المشينة، وسأله: هل ترى ما كتب؟ (وهي عبارات مشينة ينعتونه بها). فأجابه: كلا. فقال له: الدراهم مراهم، فالمراهم تشفي الجروح وذهب قوله مثلا يضرب لأثر المال في قيمة الإنسان.


وقد ورد في العربية أمثالاً تتضمن المعنى نفسه كقولهم: (الدراهم كالمراهم تجبر العظم الكسير)، وقولهم: (الدراهم لجروح الدهر مراهم).


ومما يحكى في هذا المفهوم :

أن رجلاً كان عنده كلب عزيز على قلبه، وبعد عمر طويل مات الكلب، فقام صاحبه بدفنه في مقبرة المسلمين، فشكاه الناس إلى القاضي، الذي أمر بإحضاره إليه على جناح السرعة، ولما صار بين يديه، قال له : أمجنون أنتَ أيها الرجل حتى تدفنَ كلبكَ في مقابر المسلمين؟

قال الرجل : كانت هذه وصية الكلب يا سيدي القاضي!!

فقال القاضي : ويحك، تجمع بين ذنبين عظيمين، دفن كلب نجس في مقابر المسلمين، وتستهزئ بالقاضي، أيوجد كلب يترك وصية يا أبله؟!

قال الرجل : أجل يا سيدي، إن كلبي هذا فقيه متعلم، وحتى أنه قد أوصى بألف دينار لمعاليكم لما سمعه من حسن قضائكم. 

عندها قال القاضي : رحم الله الكلب الفقيه!! 

وعندما تعجب الناس من حكم القاضي، قال لهم : لا تتعجبوا، لقد تأملتُ في سيرة الكلب ونسله فوجدته من نسل كلب أصحاب الكهف!!


لا أدري هل تحتاج القصتين الى تعليق فقد بينت في مضمونها كل شيء ، ولكن لا بأس ببعض التعليق، فالكلام ليس عليه ضريبة (أقصد في الدنيا وليس في الآخرة فأكثر مانحاسب عليه في الآخرة هو الكلام) .

يقول ابن فارس ما سُميَ المال مالاً إلا لأنه يميل بقلوب الناس.

وسمي الدرهم درهما، لانه دار هم  لمن جمعه و لم ينفقه في طاعه الله.


والحقيقة: أن الناس تبقى تتزين بالمبادىء والأقوال الرنانة والقيم فإذا ظهر المال تجد الكثير منهم مالوا!!


وصدق الشاعر أبو حيان الغرناطي عندما قال :

‏أجلُّ شفيعٍ ليس يمكن ردُّه

‏دَراهِم بِيضٌ، للجُروحِ مَراهِمُ


‏تُصيِّر صعبَ الأمرِ أسهل ما ترى

‏ويقضي لُباناتِ الفتى وهو نائمُ


وعندما تتأمل في أغلب أحوال الناس تجدهم نسخٌ مكررة من صاحب الكلب والقاضي والرجل التافه . وإن أخطر مافي هذا الأمر وأكبر المصائب عندما تُشترى النُخب، من أدباء وفقهاء وإعلاميين ونواب فيتحولون من أشخاص من المفترض أنهم يسهرون على المجتمع، ويصححون عيبه، إلى حفنة طبالين يسبحون بحمد الرئيس والوزير والسياسي والمسؤول!!


وسلامتكم

 


 

تعليقات

أحدث أقدم