أحرار أم أسرى ؟

مشاهدات


 

تحسين الشيخلي


لم تعد هناك معالم واضحة للحدود بين الواقع و الافتراضي ، تماهى واقعنا وتفاصيل حياتنا لتكون جزءا من عالمنا الافتراضي و الذي هو بالأساس مشترك مع عوالم الاخرين .
قبل ايام قرأت كتابا صدر حديثاً من جامعة المانية بعنوان ، سجناء العالم الرقمي: المراقبة والذاتية والاغتراب في الخيال البائس للقرن الحادي والعشرين.

هذا الكتاب وضعني امام تساؤلات كثيرة ، اهمها هل نحن من نتحكم ونملك الحرية في تفاعلات تواصلنا الاجتماعي أم ان الحقيقة هي مغايرة و هناك من يتحكم فينا بدون أرادتنا؟
الواقع هو اننا نعيش في قفص زجاجي ، احد جوانبه معمى ليمنحنا الأمان بأننا في مأمن عن عيون الأخرين في حين ان جانبه الاخر شفاف يعكس كل تفاصيلنا للأخر.

عبارة ( الأخ الأكبر يراقبك) التي أطلقها جورج أورويل في روايته ( 1984) لم تعد خيالاً من أدب الديستوبيا ، بل هي واقع نعيشه .
مراقبة  الكل ( Panopticon)  هو نوع من السجون قام بتصميمه الفيلسوف الإنكليزي والمنظر الاجتماعي جيريمي بنثام في عام   1785 .  (مفهوم التصميم هو السماح بمراقب واحد لمراقبة جميع السجناء دون أن يكون المسجونين قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا. وصفه بنثام على أنه طريقة جديدة للحصول على قوة العقل على العقل ، كرمز للقوة غير المرئية.) في وقت لاحق هذه الفكرة ألهمت مفكرين وفلاسفة مثل ميشيل فوكو، نعوم تشومسكي، زيغمونت بومان وأعمال الكاتب البريطاني جورج أورويل.

في عام 1997 طرح عالم الاجتماع النرويجي  توماس ماتيسين نوعا أخر من المراقبة هو(Synopticon  )، وهو نظام يشاهد فيه (العديد) (القلة) في مجتمع المشاهدة.

العصر الذي نعيش فيه هو العصر الذي نتعرض فيه لجاذبية هائلة للتواصل الاجتماعي القائم على نطاق واسع على الأشكال الرقمية للوسائط. أكثرها شيوعًا هي وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك و الانستغرام و التويتر و الواتساب و غيرها . تعرضنا وسائل التواصل الاجتماعي إلى نوع من Panopticon  الافتراضي حيث يشاهد (القلة) (العديد) ، بالتزامن مع نظام Synopticon ، حيث يشاهد فيه (العديد) (القلة) في مجتمع المشاهدة.

تمارس وسائل التواصل الاجتماعي قوتها الاجتماعية من خلال التقنيات الرقمية كوسيلة جديدة للإشراف ،هي ليست سجنًا ولا تعني تأديب مستخدميه. لا يوجد حراس ولا سجناء في سجننا الافتراضي فيها  كمستخدمين ، نحن حراس وسجناء على حد سواء ، نشاهد ونحكم ضمنيًا على بعضنا البعض أثناء مشاركة المحتوى.
 
ميشيل فوكو الذي مات عام 1984 أي قبل وقت طويل من وصول الإنترنت  وظهور وسائل التواصل الاجتماعي لاحقاً، طور مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تساعد في شرح كيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علينا. درس الموضوعات المتعلقة بالتكييف الاجتماعي وتشكيل الهوية فيما يتعلق بالسلطة. لا تزال هذه الدراسات قابلة للتطبيق على الحياة عبر الإنترنت. من منظور فوكو ، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد وسيلة لتبادل المعلومات ، إنها أيضًا وسيلة لتشكيل الهوية التي تنطوي على (ذاتية) من خلال جعل أفعالنا ومشاركاتنا مرئية للجمهور ، تعرضنا وسائل التواصل الاجتماعي لنوع من السجن المراقب الافتراضي. إنه ببساطة نظام تحكم متبادل. التقنيات الاجتماعية المستخدمة اليوم هي في الأساس سجناً زجاجياً شفافاً ، يخدعنا بأننا معزولون ، بعيدون عن أعين الأخرين ، في حين أننا و بكل تفاصيلنا و بأختيارنا الواعي و بأرادتنا المحضة نعرض أنفسنا لهم و أمامهم ( حتى وان رغبنا ان تكون معلوماتنا سرية).

ظهر الاتصال الجماهيري في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومع ظهورها أقامت اتصالًا مباشرًا مع الجمهور بطريقة تتجاوز المؤسسات الاجتماعية التقليدية ، مثل المنظومات المجتمعية كالمدرسة والأسرة والنظام السياسي  ، شكل الاتصال الجديد اليوم هو الاتصال الرقمي الذي يتم تحقيقه على القنوات الرقمية. بل هو أسرع وفوري وفي كل مكان يشكل فجوة ثقافية وسياسية جديدة ليس فقط بين أفراد المجتمع ولكن المؤسسات.

ضمن مجال الاتصالات الرقمية عبر الإنترنت ، هناك العديد من الأدوات التي تسمح للمنظمات والأفراد بتتبع ومراقبة تصرفات الآخرين. أتاح العصر الرقمي للدول والمنظمات والأفراد عددًا من الفرص الجديدة لمراقبة السكان. من المحتمل أن يتأثر الأشخاص باستخدام المعلومات التي لم يقدموها (عن طيب خاطر). يمكن أن يؤدي استخدام المعلومات الشخصية أو الحساسة التي يتم جمعها دون معرفة أو إذن الشخص إلى جميع أنواع العواقب الشخصية أو المالية المحتملة . فتفاعلنا على هذه الوسائط يمكن ان يفسر بشكل عام على أنه استجابة وموافقة ضمنية لاستخدام معلوماتنا طالما هي متاحة امام من يراقب و يستثمر فيها.

هل نحن قليلو الإدراك أم غير مدركين لحالة أسرنا أثناء قيامنا طواعية بإنشاء ملفات تعريف والتفاعل مع أشخاص آخرين على مواقع الشبكات الاجتماعية .

يمكن تلخيص إحدى أكبر النقاشات حول التأثير الاجتماعي لوسائل التواصل الاجتماعي في سؤال واحد:
 
هل تمتلك هذه الوسائل قدرًا كبيرًا من السلطة على جمهورها ، أم أن الجمهور في النهاية يتمتع بسلطة أكبر منها؟ هل نحن من يراقب أم نحن المراقبون ؟
بمعنى آخر، هل نحن الأسرى أم السادة الأحرار في مجتمع العصر الرقمي ؟

تعليقات

أحدث أقدم