لماذا يكرهون أردوغان؟

مشاهدات


ياسر عبدالعزيز



على النقيض من الفن الأدبي الذي يمكن أن يتماهى فيه الأديب من خلال عمله الفني مع ذاته ويستغرق في ما يجول في صدره ، وينقل الصورة كما يراها هو، حتى لو كانت تلك الصورة بعيدة عن مخيلة القارئ . على العكس، تتسم الصحافة بالموضوعية وتلتزم بالنأي عن الذات، منتهية إلى جدال تاريخي حول حياد هذا الفن، وصولًا إلى حل وسط وهي إطلاق صفة المهنية على العمل الصحفي تخفيفا من سلطة وقيم الحياد على الصحافة . ولأن الناس أسرى الحضارة الغالبة ، أصبحت المدارس الصحفية الغربية هي العمدة في البناء المعرفي للمهنة في بلادنا، وأصبحت الصحف الغربية ووكالاتها هي المصدر الذي أنزل خبر السماء ولا يمكن البحث خلفه أو الجدل في ما أتى به، فتستقى الأخبار بل والآراء منها من غير مراجعة ولا تفكير في أغلب الأمور حتى لو طفح سمها على وجه الخبر أو المقال المراقب للصحافة الغربية يجد رصًّا للصفوف وتوحيدا للجهود وتنسيقا للمساعي للتخلص من الرئيس أردوغان، تتزايد هذه الجهود ويشتد القصف كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الـ14 من مايو/أيار المقبل، ولما كان البعر يدل على البعير والسير يدل على المسير فهاؤم اقرأوا كتابهم ..

 

فهذه مجلة "الإيكونوميست" (The Economist ) تصدر عددًا خاصا عن تركيا منذ أيام تزعم فيه أن البلاد على شفا الدكتاتورية، ونقلت عن القادة الغربيين حث الشعب التركي بالتحرك لإنهاء ما يصفونه بالمرحلة الحالكة من تاريخ البلاد ، وكأن تركيا قبل العدالة والتنمية كانت واحة غناء يرنو إليها كل طالبي العيش الرغيد، مستشهدة بتحذير الرئيس الأميركي جو بايدن للرئيس أردوغان بشأن الديمقراطية وحرية التعبير. وفي صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) كتب جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق وأحد صقور اليمين المحافظ ، مقالًا كان مباشرا وأكثر وضوحا، كما اعتدنا الرجل، "اللي في قلبه على لسانه" من حقد وغل للمسلمين، إذ ادعى بولتون أن حلف "الناتو" سيطرد تركيا في حالة فوز الرئيس أردوغان، ومن ثم حث القراء على دعم المعارضة .

 

أما موقع (Aspenia) المتخصص في التحليلات السياسية فوصف عام الانتخابات بعام الكوارث، ليس فقط لما وقع فيه من كارثة الزلزال التي أودت بأرواح ما يقارب 50 ألف تركي وشردت الملايين، بل عن تداعيات هذا الزلزال الذي تتجاوز الآثار المترتبة عليه، مذكرين بأن إسطنبول ينتظرها زلزال أشد بأسًا وأشد تنكيلًا، سيؤثر على الاقتصاد والسياحة ومن ثم على الناتج المحلي الكلي لتركيا، وذلك يعني أن السواد قادم لا محالة والحياة ستصبح مستحيلة. وهذا التصور السوداوي الذي تحاول الصحف الغربية رسمه، ويعكس تصوير تركيا كونها "على حافة الهاوية" وتريد أن تزرعه في قلوب القراء، إنما هو تقييم للإدارة الحاكمة ، ويتناغم بالكلية مع تصور المعارضة التي تؤكد في دعاياتها، وهي بلا مشروع، أن تركيا ذاهبة إلى المجهول مع أردوغان.

 

قد يرى البعض أن إعلان المنافس الرئيسي لأردوغان ومرشح الطاولة السداسية في الانتخابات الرئاسية، كمال كليجدار أوغلو، وهو يمسك ببصلة ويخوف أولياءه بأن الشعب لن يجد حتى البصل، عبث، بل هو مخطط له، وعندما تأخذ القناة الألمانية الرسمية (DW) هذا الإعلان وتقارن به ما يقوم به الرئيس أردوغان من افتتاح مشاريع عملاقة كتعويم أول حاملة طائرات مسيرة تركية بالكامل ، أو افتتاح أكبر جامع في ديار بكر أو انطلاق أول سيارة كهربائية تركية في شوارع أنقرة، إنما هو من سبيل المقارنة، حيث إن الشارع التركي يهمه حياته اليومية من مأكل وملبس ومسكن وراتب آخر الشهر أكثر من حاملات الطائرات أو السيارات الكهربائية، مما يندرج تحت بند الدعاية السلبية في اللاوعي، بمعنى أن ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب . العجيب أن هذه الصحف لا تنفك عن سلوكها اللامهني واللامحايد نفسه منذ ما يزيد على 10 سنوات لكن قصفها اشتد في المرحلة الأخيرة وتعدّ الانتخابات القادمة معركتها الأخيرة بعد أن باءت كل محاولات الأنظمة الغربية في إسقاط العدالة والتنمية ورئيسها، والرئيس هنا أهم من الحزب عندهم، فهو رمانة الميزان وبيضة القبان . ولا تتردد بعض المنافذ الإعلامية ومراكز الفكر في واشنطن وبروكسل وبرلين وغيرها من العواصم الغربية في نشر تلك الدعاية المبطنة للمعارضة ولدعمها، ويأتي ذلك في صورة تحليل أو مقال، ويستخدمون في ذلك كبار المسؤولين السابقين ليضفوا على تلك "الدعاية" مزيدا من المصداقية. لكن العاقل يعرف أن هؤلاء لم يكونوا يومًا إلا لمصالحهم أصدقاء، ولعل تسريبات وثائق البنتاغون جاءت رحمة من ربك كي ترسخ في قلوب من له قلب أو ألقى السمع وهو بصير أن هذا الغرب ما هو إلا كذبة كبيرة وليس له صديق، لذلك فإن حديث الرئيس أردوغان عن أنه على الأتراك أن يلقنوا الأميركيين درسًا يوم الـ14 من مايو/أيار، ليس من فراغ وعلى الأتراك وهم يضعون أصواتهم في الصناديق أن يتذكروا جيدًا أنه سيعطي صوته لتركيا لتكمل مسارها أو للغرب كي يهدم ما بني خلال 20 عامًا .

 





 

تعليقات

أحدث أقدم