لاتحزن

مشاهدات


محمود الجاف

 

لاتحزن إن قال لك أحدهم إن شكلك مُخيف ، أو أخبرتك إحداهنَّ انك لست جميلة وملابسك رثة لأنهُ أو هي صادقون ! .. فالعين تنقل الصورة فقط .. ونحن نرى بعقولنا التي قد تكون مليئة بالظلامية والبؤس والشقاء والحزن والأفكار الهدامة والماضي المُخيف .. مثل هذا الشخص لو وضعته في الجنة سيراها مقبرة كبيرة مليئة بالجثث والدخان المُتصاعد .. فعملية الإبصار تتحقق عندما تنتقل الحزم الضوئية من خلال العدسة الموجودة في العين الأمامية وتنكسر ثم تسقط مقلوبة على الشبكية . وهنا يتحول الضوء إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى بقعة صغيرة تدعى ( مركز الرؤية ) التي تقع في الجزء الخلفي من الدماغ المعزول كلياً عن الضوء ، والذي من المُستحيل أن يصل منه شيئا إليه حتى لو أشرقت الشمس سيبقى في الداخل ظلام دامس ولا تتغير درجة حرارته أبداً . كل الصور التي نراها في حياتنا تتشكل في هذا المكان الذي لايتجاوز حجمه حبة البندق . إذا كنت تشاهد مباراة لكرة القدم أو بحرا كبيرا متلاطم الامواج او تنظر في السماء الى عالم مُتعدد الألوان ، الى الطبيعة والمناظر الخلابة واشكال الفاكهة والأزهار وحركة المرور . 

 

كل الأشياء الأخرى هي عبارة عن صور تشكلت في هذه البقعة المظلمة .. وهذه الحالة تنطبق على جميع حواسنا ، الصوت واللمس والذوق والشم ، كلها تدرك عن طريق إشارات كهربائية في الدماغ ، كذلك حاسة السمع ، الصيوان يلتقط الأصوات وينقلها إلى الأذن الوسطى ، التي تقوم بنقل وتكثيف ترددات الصوت إلى الأذن الداخلية ثم إلى الدماغ . والأمر ذاته ينطبق على الأذن أيضا ، فالدماغ معزول عن الصوت كما هو معزول عن الضوء.  وإدراكنا للروائح في عملية الشم تعمل بالطريقة ذاتها . فالأمر إذا يتعلق بطبيعة رؤيتك للأحداث وتفسيرك لها وإحترامك لذاتك أو عدمه ، وإن كنت متشائما دوما أو متفائلأ ..

 

قال الشاعر إيليا أبو ماضي :

 

أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ

كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا

إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ

تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا

وَتَرى الشَوكَ في الوُرودِ وَتَعمى

أَن تَرى فَوقَها النَدى إِكليلا

هُوَ عِبءٌ عَلى الحَياةِ ثَقيلٌ

مَن يَظُنُّ الحَياةَ عِبءً ثَقيلا

وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ

لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا

لَيسَ أَشقى مِمَّن يَرى العَيشَ مُرّاً

وَيَظُنُّ اللَذاتِ فيهِ فُضولا

أَحكَمُ الناسِ في الحَياةِ أُناسٌ

عَلَّلوها فَأَحسَنوا التَعليلا

فَتَمَتَّع بِالصُبحِ ما دُمتَ فيهِ

لا تَخَف أَن يَزولَ حَتّى يَزولا

 

 

 

 

تعليقات

أحدث أقدم