الحرب الهجينة من حروب المستقبل

مشاهدات



بقلم : الفريق الركن صباح نوري العجيلي


تتبادل أطراف الصراع في اوكرانيا الأتهامات بشن الطرف المقابل مايسمى بالحروب الهجينة وهي نمط جديد من أنماط الحروب التي تشمل مزيج او خليط من الوسائل وأدوات الحروب المتيسرة ، حيث يتهم الكرملين كل من الولايات المتحدة واوروبا بشن حرب هجينة طويلة الأمد ضد روسيا بغية أضعافها وتفكيكها وتدمير الأقتصاد الروسي، فيما تستخدم روسيا مزيج من الأدوات غير الحركية بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والدعاية والمعلومات المضللة والضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعمليات السرية والحرب بالوكالة . باتت مصطلحات الحرب الهجينة والاجراءات الهجينة والتهديدات الهجينة، تستخدم للحديث عن الحروب الحديثة التي اصبحت تتجاوز أشكال الحروب التقليدية المعروفة . فما المقصود في هذا النمط من أنماط الحروب في العصر الحديث والذي أخذ يتردد كثيراً في الأونة الأخيرة على لسان السياسيين والاستراتيجيين والقادة العسكريين ؟

 

سوف نسلط الضوء في هذه المقالة على ماهية هذه الحرب وخصائصها .

 

ماهية الحرب الهجينة :

الحرب وأساليبها وبيئتها متغيرة وقابلة للتطور وأن بيئتها في القرن الحادي والعشرين تختلف اختلافاً جذرياً عن تلك التي كانت في القرون الماضية نتيجة عدة مدخلات أهمها التطور التكنولوجي فضلاً عن تطورات اخرى شابت البيئة النظرية الفكرية للحروب . الحرب الهجينة (HYBRID WARFARE) من المصطلحات الحديثة والتي تعني تزاوج أنواع مختلفة من التهديدات التي تتضمن استخدام الوسائل التقليدية وغير التقليدية والأساليب التخريبية والسيبرانية . هذا المفهوم الحديث للحرب الهجينة فقد وضعه الباحث (فرانك هوفمان ) عام 2007  بدراسة تحلل الصراعات الفوضوية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، حيث تغيرت التكتيكات وكان الخط الفاصل بين المدنيين والمقاتلين مشوشاً . وتتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة ، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية التي تشمل العنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية ويمكن أن يكون هذا التنوع في الإجراءات من صنع الفاعل نفسه . أما الباﺣﺚ الأﻣﻴﺮﻛﻲ (ﻧﺎﻳﺜﺎﻥ ﻓﺮﺍﻳﺮ) فقد ﻭﺿﻊ ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﺁﺧﺮ أعتبر فيه أننا نكون أمام ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ «ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺴﻠّﺤﺔ اﺛﻨﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ ﺍﻷﺭﺑﻊ الآتي ذكرها : ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﺣﺮﺏ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ، إﺭﻫﺎﺏ ، وﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، وذلك لمواجهة التفوق العسكري المعادي». ويقول دافيد كلكيولن صاحب كتاب «حرب العصابات العرضية» (The Accidental Guerilla) الصادر في العام 2009 :  إن الحرب الهجينة هي أفضل تعبير وتفسير للنزاعات الحديثة والمعاصرة ، ولكنه يشدد على أنها تتضمن مزيجًا من الحرب غير النظامية والحرب الأهلية وأعمال التمرّد والإرهاب . وفي كتاب «فرانك هوفمان» بعنوان، النزاعات في القرن الواحد والعشرين : صعود الحروب الهجينة، ورد تعريف الحرب الهجينة على أنها «المزج ما بين تكتيك حرب العصابات والجماعات الإرهابية وامتلاك قدرات تقليدية وأسلحة تشبه تلك التي كانت حصرا للجيوش النظامية. وفي هذا السياق يتمّ استخدام الأنماط المختلفة من الحرب ، بما في ذلك القدرات التقليدية، والتكتيكات غير التقليدية، والأفعال الإرهابية، بالإضافة إلى نشر الفوضى التي تساعد على تفشي الجريمة . ووفق رأيه فإن الدول والجماعات من غير الدول، تسعى لتطوير قدرات جديدة (تكنولوجية وتكتيكات غير متوقّعة) من أجل تحقيق ميزة استراتيجية وتجنّب المواجهة المباشرة مع الخصم المتفوّق عسكريًا. ويرى البروفيسور داميان فان بويفيلد مدير معهد الدراسات الأمنية الوطنية في جامعة الباسو- تكساس في الولايات المتحدة : إنّ كل تهديد يمكن أن يكون هجينا طالما أنه غير محدود بشكل واحد، أو ببعدٍ واحدٍ من أنواع الحرب وأبعادها . فيما تحدث قائد الجيش الامريكي جورج كيسي جونيور عن نوع جديد من الحرب سيصبح اكثر شيوعا في المستقبل وتصبح فيه التهديدات المختلطة هي اساليب وانشطة تستهدف نقاط ضعف الخصم حيث يكون نطاق الاساليب والانشطة واسعاً .

 

مما ورد اعلاه نستطيع القول أن الحرب الهجينة من حروب المستقبل وهي نمط من انماط الحروب الذي يتضمن مزيجاً من الاساليب التقليدية النظامية وغير النظامية فضلا عن الأجراءات السياسية والهجمات السيبرانية وحرب المعلومات بغية تحقيق التفوق على الخصم وتنفيذ الاهداف المرسومة .

 

أساليب وأدوات الحرب الهجينة :

تتضمن مزيج واسع من الأساليب والأدوات المتاحة والتي تمكن القائد العام من أستخدام ومزج أكثر من أسلوب وبما يناسب الموقف والخطة العامة لتحقيق التفوق على الخصم في ساحة الحرب :

- الحروب التقليدية التي تستخدم القوات العسكرية واسلحتها لبلوغ اهدافها في ساحة الحرب ومسارح العمليات .

- الحرب السياسية والضغط السياسي والدبلوماسي والتدخل بالانتخابات .

- الحروب غير النظامية التي تنفذها تنظيمات اللا دولة .

- اساليب حروب الجيل الرابع التي تشمل الحروب اللامتماثلة وحرب العصابات .

- الهجمات السيبرانية والتداخل الالكتروني والتشويش واستراق المعلومات .

- حرب المعلومات لتخريب وتدمير وتعطيل منظومة القيادة والسيطرة وشبكات الحاسب الالي وقرصنة المعلومات .

- الحرب بالوكالة باستخدام اطراف أخرى بالصراع تقاتل بالنيابة .

- استخدام التنظيمات المسلحة والارهاب والمليشيات والمتمردين والمرتزقة وعصابات الجريمة.

- الهجمات بالاسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والأشعاعية .

-هجمات الطائرات المسيّرة بدون طيار .

- اعمال التخريب واستخدام وسائل التفجير التقليدية لنشر الفوضى وزعزعة الامن الداخلي في ساحة الطرف المقابل .

- استخدام شركات الحماية الخاصة بالقتال بالوكالة عن القوات العسكرية كما هو الحال في قتال شركة فاغنر الروسية في اوكرانيا وتحديدا في مدينة باخموت شرق البلاد .

- استخدام الاعلام لاغراض الحرب النفسية ونشر الاخبار المظللة للتأثير على معنويات الخصم .

- العقوبات الاقتصادية والمالية كالتي فرضتها الولايات المتحدة واوربا على روسيا .

- المناورات والتدريبات العسكرية على الحدود المشتركة والاستعراضات العسكرية .

- زعزعة الثقة بين حكومة الطرف المقابل والشعوب .

 

خصائص الحرب الهجينة :

مايميز هذا النمط  من الحروب هو قدرتها على مزج عدة اساليب في آن واحد وتحقيق الاهداف بتكاليف منخفضة وبأفضل النتائج ، وبخلطها الاساليب الحركية وغير الحركية تلحق الضرر بالدولة الخصم بالطريقة المناسبة، وأهم خصائص تلك الحروب :

- تكاليفها ومخاطرها منخفضة بشكل ملحوظ وتؤدي لإخضاع العدو وباقل التكاليف .

- تتسم بالغموض حيث يطمس الفاعلون المختلطون الحدود المعتادة في الصراعات الدولية، ويعملون في الواجهات بين الخارج والداخل والقانوني وغير القانوني والسلام والحرب .

- تسمح هذه الحرب بتقويض قدرة الخصم على جبهته العسكرية والبنية التحتية والاقتصادية وكذلك زعزعة شرعية السلطة وثقة الشعب بها وبذلك تتشتت جهود العدو .

- تحقق المباغتة ومفاجأة الخصم بالاسلوب والمكان والزمان.

- إدامة الزخم على الخصم وتشتيت جهوده وارباك ردود فعله .

 

متطلبات الحرب الهجينة
هذا النوع من الحروب الحديثة يتطلب:

- التطور التكنولوجي والتقني للجيوش والدول المتحاربة وتطوير نماذج حديثة من الحروب .

- قيادة سياسية لديها تصور عام للصراع  وأبعاده من النواحي الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية .

- قيادة عسكرية موحدة لوضع الوسائل تحت أمرة قائد واحد لغرض توحيد وتوجيه الجهود المشتركة نحو الهدف .

- المرونة في التخطيط للحرب وتنفيذ الخطة العامة .

- التنسيق والتعاون بين الوسائل والاساليب المستخدمة .

 

مستقبل الحرب الهجينة :

نعتقد ان الحرب الهجينة ستكون من حروب المستقبل بدلاً من الحروب الباردة التي كانت سائدة في القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وسوف يعول عليها بغية مواجهة التفوق المعادي حيث تتعدد وتتنوع الأساليب التي تتراوح من التقليدية الى الحرب السياسية و السيبرانية واستخدام الطائرات بدون طيار وحروب الجيل الرابع وتوظيف تنظيمات اللا دولة بالتزامن مع حرب المعلومات والإعلام . وسوف يتاح امام القيادات معطيات كثيرة ومتطورة واساليب متنوعة وخيارات مفتوحة تساعدها في تنفيذ الخطة والتغلب على الطرف المقابل وصياغة الاستجابات المناسبة . ونلاحظ هناك توجه بالوقت الراهن لمعظم القوى الفاعلة بالسير نحو توظيف هذا النوع من الحروب ووسائلها وادواتها مع القوى المتنافسة معها . كما وان قيادات هذا النوع من الحروب ينبغي ان تكون فاعلة ومرنة وذي دراية بمجريات الصراع و قادرة على استخدام وأستثمار الإمكانات المتاحة في المكان والزمان المحددين .

تعليقات

أحدث أقدم