أ.د.عبدالله الظاهر
روى زيد بن حنيف قال : حدث صديقنا الكاتب العلم ، السيد هاشم الطائي المحترم قال : من جميل القصص وغريبها ، وأصدق صور التحول وعجيبها ، ان رجلا نصرانيا ملحدا ، ضل سبيل الحق ولم يجد له من ضلاله منقذا او منجدا ، وزاده هما وضيقا خلافه مع السيدة (ألس) زوجته ، وشد ذلك الخلاف من عقدته ، وادركته اوهامه ، فتفاقم حزنه وفقد راحته فراح يوغل بشرب الخمرة فعظم اجرامه ، حتى قرر الانتحار ، ولم يجد حسب ظنه في سواه الخلاص لذلك عقد القرار ، وحاولت زوجه منعه ، فلم يعر لها عقله وصم عنها مسمعه ، فخرج من بيته مغاضبا ، متجها صوب مصير اختاره راغبا ، ولكن الأمر لا يتم الا بما قدر الله ، وما فكر الرجل اذا رمى بنفسه من شاهق كيف سيكون منتهاه ، لذلك قصد ميشيل عمارة عظيمة عالية ، كي يلقي بنفسه من اعلاها لتكون هي القاضية ، وحدث في ذلك الوقت ان مسلمين كانوا يؤدون صلاة العيد في المسجد وفي فنائها ، من ثم راحوا يهنئون بعضهم بعد انتهائها ، إذا بميشيل في وسط هذه الجماعة المسلمة وما علموا ان الرجل الذي بينهم رجل ملحد نصراني وأنه ينوي الانتحار ، ولم يعرفوا انه قد اصر لتحقيق ذلك القرار ، وحسبوه مسلما من جملة المصلين ، فراحوا يصافحونه كغيره من المسلمين ، والفرحة تغمرهم ، والرجل منبهر بهم ، وهو يرى حالة لم يكن قد عهدها من قبل في غير هؤلاء ، فامتلأ قلبه راحة وتملكه رجاء ، ولا سيما حين راح يسمع الطيب من كلماتهم ، ويشعر بالمريح الصادق في دعواتهم ، فاحس بنفوس راضية ، ووجوه تشرق بانوار وبسمات صافية ، حتى غمرته حالة حالت دون تنفيذ ذلك القرار المشؤوم ، احتقر الحالة التي فاقمت عليه الهموم ، فأشرق قلبه لحالة لم يعهدها ، ووجوه من قبل لم يشهدها ، ولم يعرف لما عاشه لدقائق من الزمن من تفسير ، الا ان هناك من أنقذه من سوء المصير ، وانه كان في وهم قاتل ، لا يعيشه الا جاهل ، ليدخل من توه في صلاة الشكر ، التى اداها المسلمون شاكرين تحوله من الالحاد والضياع والتفكير العقيم القفر ، ومن الشتات والضياع والعهر ، الى الايمان والنور والرجاء ، وقد تجسد في بصيرته معنى الرفعة والعلاء ، فازداد حبا لما آل اليه من تحول جميل ، وقد ملك بقلبه وعقله الدليل ، فراح يفكر بزوجه لانقاذها ، وكانت من قبل تحاول منعه من التيه فيرفض محاولاتها ، اذا بها خارجة تبحث عن جثمانه في المستشفيات ، مؤمنة بأنه قد لقي حتفه فهو لا شك الآن في الأموات ، ومن نعم الله انه التقاها ، وعلمت بما فعل وقص حالة تحوله الى منتهاها ، فرحبت بل أقرت بما فعل ، ولم يتركها بل عرض عليها الدخول فيما فيه دخل ، والتزمه رجال صدق اعلام ، فتفقه في الدين مع السيدة (الس) المدام ، وأصبحا من بعد في فرنسا من المسلمين الهداة ، وطابت مع اضرابهم الحياة ، وامسى سبيله التروي والأناة ، هاديا لمن ضل السبيل ، راسما له الصراط المستقيم الدليل…
وهنا تذكر محدثي ما استشهد به احد المصلين في المسجد ، على لسان المهتدي فقال :
وخير متاع الدار رفقة صحبة يقيلون إعثار المسيرة والجد… فرفع المهتدي كفه الى السماء باكيا وقال كلاما ترجمه احدهم في قول الظاهر : قصدتك والفؤاد صد .... وحاشا أن ترد يدي…
إرسال تعليق