يوم اختبأت الشمس

مشاهدات

 


محمود الجاف

 
كان آخر يوم أرى فيه الشمس وهي تغرب على بلدي ، ولم تعد تشرق علينا بعد أن انتقل النهار الى عالم آخر .. وعندما بدأ يُطاردنا الظلاميون، كنا نهرب الى من نعتقد انه حضن دافىء آمن ، لكن سرعان ما نفاجأ بصفعة قوية تكشف لنا إنه عدو حاقد وليس صديق مُساند . عندها فهمنا انه مُشترك في اللعبة وندمنا ولكن لات ساعة مندم .. نرحل الى آخر وآخر ونستمر في تلقي الطعنات حتى نصل الى قبو مظلم مُنعزل مخفي . نكمنُ فيه لنتفحص جراحاتنا فنجدها تنزف بغزارة . عميقة في التأثير والتغيير والشدة والألم . كنا نخرج من ندم الى ندم . من حزن الى حزن . من مأوى الى آخر . نجوع ونعرى ونبكي ونندم . لكننا تعلمنا وفهمنا ومازلنا نتعلم ، ولهذا لابد ان نبدأ من جديد . لكن بعد إعادة التنظيم .. النفس والأسرة قبل المجتمع . الأهداف والأولويات بعد الإستفادة من الأخطاء وتجارب الماضي المؤلم والهفوات الدامية . بعد أن لوثتنا اخطاء الجهل والخرافة والخيال المريض والفهم والاستدلالات الخاطئة التي أدت الى قرارات خاطئة .. لابد ان يفهم الناس ان الأعناق التي قطعتها سكاكين الغدر بحجة الجهاد كانت تحملها الشياطين بإسم الدين . ترتدي ملابس الحق لتنصر الباطل . تنصر العدو على الصديق وتشعل في ديارنا الحريق ، وتدفع بالشعب الى الماء وتتركه غريق . أو تائها وحيدا في الطريق . يدخل في ضيق ويخرج الى ضيق . يهوي كل يوم أكثر وأكثر في وادٍ سحيق .. لقد عرف اعدائنا الدين الاسلامي وفهموه اكثر من معتنقيه . ثم قسموه الى فئات . واختاروا لكل منها دولة تدعمه وتغذي العصبية فيه وجعلوها قبلتهم وادخلوا في تنظيماتها قيادات تحمل كل السلبيات التي يمكن ان تتبناها الأبالسة وارتكبوا بإسم تلك المذاهب ما يندى له جبين الإنسانية . كل ما هو مخالف لمبادىء الدين والاخلاق والعلم والثقافة .. لينشروا الشرك والانحلال والإلحاد وقد حصل ..

 
لقد إختلف ألناس في فهم وتفسير معنى البطولة . فمنهم من قال : إنها القوة والشجاعة والحزم والكرم . وآخرين قالوا : هي الصدق في العهود وقوةٌ في القول وإستعلاء على المُغريات ورأيٌ سديد وتضامن . أما في ميزان الإسلام فهي الأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة والإيمان . كلها تظهر عند الحاجة إلى نساء ورجال لايخافون في الله لومة لائم . عندما حاصر خالد بن الوليد الحيرة طلب من أبي بكر مدداً فأرسل له القعقاع بن عمرو التميمي وقال : لا يُهزم جيش فيه مثله . وان لصوته فيهم خيرٌ من ألف مقاتل ! .. 

 
فلا يحبطكم كثرتهم وقلة عددكم .. فالنصر مع الحق .

 
مرت علينا هذه الايام ذكرى الاحتلال البغيض ، الهجوم البربري الذي يجب ان يعطينا زخما ودافعا للمواصلة والإستمرار حتى التحرير وليس اليأس والتراجع وتداول الافكار والسلوك الخاطىء الذي يتمناه العدو . والأهم أن لا ننسى .. فما نراه الان قد تكرر عشرات المرات ولكن متى ؟ .. حين نضعف ونتفرق ونسمح ان نكون لقمة سائغة لأعدائنا ونمنحهم الدعم والتمكين اللازمين .. اذا لابد أن ننطلق من جديد ؟ .. 

 

ولكن كيف ؟

 
علينا تسليط الضوء على العثرات والاخطاء التي وقعت فيها المقاومة دينيا وسياسيا وعسكريا وأمنيا وإعلاميا وإجتماعيا ؟ .. هل كان سلوك قياداتها أو بعض مقاتليها صحيحا شرعا وقانونا وإستراتيجيا ؟ .. أم حصلت اخطاء . بل جرائم ؟ .. لابد من الوقوف على كل ما جرى وكشف السلبيات والتصريح بها علنا شرط عدم تكرارها والأهم إعادة التنظيم : والذي أعني به التعديلات بالإستحداث أو الإلغاء أو الإضافة التي تَجري على الهَيكل التَنظيمي المُعتمد لأي جهة حكومية أو غيرها أو تغيير على الأهداف والاختصاصات العامة والسُلطات والعلاقات والوظائف ومُستوياتها ونطاق إشرافها . وأحياناً لإضافة مَهام جَديدة والتوسُع بدرجة كَبيرة في نَشاط قائم فِعلاً . أو عند ظُهـور عُيوب نتيجة العَمل تدعو إلى ضَرورة وأهمية مُعالجتها .. وهذا الأمر يشمل كُل شيء . بَدءاً من مُراجعة وإعادة تنظيم الشخص لنفسه وحَياته وتَرتيب الأسرة وكيانها وأسلوب عَلاقتها ببعضها ونشر الحُب والطمأنينة بين أفرادها ليعيش الجَميع في بيئَة اجتماعية صِحية وكذلك المُجتمع . الكل بحاجَة إلى إعادة التنظيم وليست الجُيوش والمُؤسسات فقط ... فكلنا نتعثر ولهذا تَوَجب علينا النُهوض فلو بقي من حَياتنا يوم واحد . يُمكِنُنا التَغيير . خصوصا الآن بعد أن كشفت الأقنعة وبانت النوايا وعرف الأعداء ..

 
كلنا يعرف ان الفِكر الصَفوي قد تمكن من ارتداء قناع المُقاومة وَتَسلل بين بعض تنظيماتها ونفذ عمليات شَوهت سُمعتها وأفقدتها الحاضنة الشَعبية وأقنع العالم بتدمير المَناطق الساخِنة لإسكات الصوت الوطني وقد نَجح . وجعل من نفسه الداء والدَواء ولهذا استعانت بهم الصِهيونية وأطلقتهُم على كل المُدن والقُرى التي قاومتهُم وأثخنوا فيها الجراح . ولهذا لابد من إعادة بَرمجة الفكر وفق المُعطيات التي ظَهرت حديثا وتأسيس جِهاز مُخابرات يُساهم في إيجاد تصور دقيق ورُؤيا أكثر وضوحا واخطأ من ظن إن الصَليبيينَ والصَهاينة سَيتخلون عن جرائهم المَسعورة التي حققت لهم أحلامهم علما أن هؤلاء لا يفهمون إلا لُغة القُوة .. عُقول كَبيرة وشَخصيات لها تاريخ بُطولي في مُقاومة المُحتل حُوصرَت في زوايا ضيقة وأخرى تَصَدرت المَوقف وعُدنا مَرة أخرى إلى الكَذب وإتباع الشَهوات وهذان العامِلان لايُخرجان المُحتل . بَل يُعزِزانِ وُجودهُ .. لابد أن نعتمد على أنفسنا وأن نفهم ان لا داعم لنا عربيا أو إسلاميا . لكننا الآن للأسف نملأ الدنيا جهلا وضَلالا وشعوذة وخُروجا غريبا عجيبا مُمنهجا عن الأخلاق … بل عن كل القيم . فقد ضحكوا على الناس بإسم الدين وآل البيت حتى سلبوهم اولادهم وبناتهم وديارهم ونقودهم . وفي الجانب الاخر سنرى المزيد من الانتصارات الصفوية . ولهذا من اراد منكم المُساهمة في انقاذ ما تبقى من البلد عليه أن يفهم :

 
1 : إن الحرب دينية ولابد أن نفرق بين الصهاينة الذين يسيطرون على القرار الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص . وبين اليهود الذين تربطهم علاقة قوية بإيران ونظام الملالي الذي جاؤوا بهم من اجل تحقيق اهدافهم من النيل الى الفرات . الحاضنة الحقيقية للأعور الدجال وجنوده الذين ذكروا في الحديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ ) .. 

 
2 : تجمعوا ضمن تنظيم او جبهة واحدة يسهل التفاوض والتعامل معها دولياً واقليمياً ويشجع المواطنين الراغبين بالاشتراك والتعاون والعمل معكم والثقة بكم .

 
3 : تحركوا على الأفراد والجماعات المؤثرة من المقاومين الحقيقيين وليس على ابطال الفيس بوك ..

 
4 : انصح أي تنظيم أو حزب أو جماعة بتشكيل هيأة الحكماء التي تجمع الأشخاص الذين يمتلكون البصيرة من الذين يمكنهم رؤية المستقبل اكثر دقة ووضوح حتى لاتنطلي عليهم الاكاذيب والخدع التي جعلت الكثير من القوى الوطنية كتنظيمات أو افراد يمضون في خدمتهم دون وعي منهم أو تخطيط وعندما يكتشفون ذلك يكون الوقت قد فات ولهذا وصلنا الى هذا الحال أو الأخطر الذي سنصل اليه لأننا جميعا كنا ولانزال نتأثر بما قال الرئيس الأمريكي أو فكر خامنئي ونشر فلان صورة أو غرد في التويتر . فيتراكض الجميع للتبشير وبث الأمل واطلاق الوعود .

 
5 : إتركوا كلمة الشيعة والسنة والعرب والأكراد فمن كل هذه الفئات هناك من قاتل وكان هذا الخطأ من أهم الاسباب التي ادت الى تركهم ساحة العمليات بعد ان تصدر الإنتهازيون مواقع المسؤولية في الكثير من الفصائل . لأنهم فعلوا ذلك لله وليس ليثني عليهم أو يذكرهم أحد .

 
6 : جهزوا مواقع تنشر بكل اللغات لتنقلوا الصور الحقيقية لما يجري في العراق بشكل خاص والأمة بشكل عام لكل الدنيا لتطلع عليها الشعوب الحرة . كذلك ليفهم الأعداء إننا نرفض جرائمهم ولن نتوقف حتى ننال حقوقنا كاملة ..

 
7 : تأكدوا من الاموال والمساعدات التي ترسلوها لان كروش البعض وصلت اقدامهم وآخرين عملاء دُفعوا بين صفوفكُم ونجحوا في اختراقكم وانتم تغطون في سبات عظيم .

 
8 : على من يطالب بالكفاح المسلح ان يعرف ان معدل الرماية العملي للبندقية الكلاشنكوف هو : 100 طلقة في الدقيقة آلي ، و 40 طلقة في الدقيقة نصف آلي .. اما سلاح أل ( BKC ) فيرمي 250 طلقة في الدقيقة . ناهيك عن القاذفة والهاون وباقي الأسلحة التي تحتاج اليها الثورات المسلحة .. اتمنى ان يتم حساب المبالغ التي يحتاجها المقاتل .. إضافة الى كيفية الشراء والتجهيز والنقل والتخزين وردود الافعال للجانب الاخر الذي تدعمه الدول العظمى وجارة السوء وماجرى في سوريا وليبيا واليمن خير مثال .. 

 
9 : ان لم يكن هناك توافق دولي واقليمي ودعم سياسي وعسكري ومادي ومعنوي واضح وحقيقي فالاقدام على اي خطوة تصعيدية يعد انتحاراً خصوصا ان المعارضين للنظام الحالي جميعهم حتى الآن منقسمين الى جبهات وفصائل وتنظيمات واحزاب وشخصيات بل الأدهى من ذلك انهم يحاربون وينكلون ببعضهم البعض متناسين تاثير ذلك على الأبطال في الداخل وفوائده للأعداء .. 

 
10 : لو كنت مؤمنا بانقاذ بلدك تحرك من الآن وكوّن مجموعة لديها ذات التوجهات والأفكار التي تحملها وانتظر ساعة النهوض الشعبي القادم لامحالة فقد بلغ السيل الزبى وعندها ستشكل رقما مهما يمكنك من خلاله ان تحقق انجازا كبيرا تُضيء به تأريخك ..

 
مؤلمٌ ان تشعر بالعجز والضعف وانت القوي . ولديك حُكام وملوك يُطلقون على انفسهم ( قادة ) ولو كان بينهم أحد صادق لمنحنا البنادق . وسيرى ما الذي يجري ومن اين تأتي البيارق . لكنهم جميعا عملاء مشتركون في اللعبة . مؤلمٌ ان نجوع ونعرى ونموت ونحن اهل الخير وأحفاد الرجال . مؤلمٌ ان يذلك اولاد السبايا، والأسود الآن تكبلهم القيود خلف جدران السجون والاسلاك الشائكة ... لكن لا تَحزَنوا على تَجمُع أحزاب هذا الزَمان عَلينا .

 
في الغار ورَسولُ الله صَلَ الله عَليهِ وَسَلَم يَنظُر إلى أقدامِ المُشرِكين قالَ ( لا تَحزَن إنَ اللهَ مَعَنا ) وَكانَ مُطارَداً وَبشرَ سُراقَة بِأنَهُ سَيَلبَس سِوارَي كِسرى . وإذا أصابَهُ غَم لَجأ إلى الصَلاة يَشكو إلى رَبَهُ وَيُناجيهِ فَهُوَ يَهوي إلى رُكن شَديد . فَيا مَن وَقَعتَ في شِدَة إرفَع يَدَيكَ إلى السَماء وَادعو وَالله يَعصِمُكَ مِنَ الناس . كونوا صادقين مع الله ثم مع انفسكم والناس ان أردتم فرجا قريب . وأكثروا من الدعاء ، والصبر، وتقوى الله عز وجل ، ألذي أمر عباده المؤمنين أن يستغيثوا به سبحانه ، فإنه سبب للثبات والنصر على الأعداء ،

 
أليسَ اللهُ بِكاف عَبدَه ؟

 
اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مدركه أينما سلك وقادر عليه أينما لجأ فمعاذ المظلومين بك وتوكّل المقهورين عليك . اللهم إنا نستغيث بك بعدما خذلنا كل مغيث واستصرخناك بعد ان قعد عنا كل نصير وطرقنا بابك بعد ان أغلقت في وجوهنا الأبواب . اللهم إنك تعلم ما حلّ بنا قبل أن نشكو إليك فلك الحمد سميعًا بصيرًا لطيفًا قديرًا . اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وسلط عليهم عذابك يا جبار السموات والأرض . انت القادر وحسبنا انت ونعم الوكيل .

 
يقول الشاعر العراقي وليد الصراف :
لابأس فليغادروا مدينة ًمنكوبة ً
تعول قرب دحلة محلولة الضفائرْ
مقطوعة العقد الذي كان يغطّيء صدرها منزوعة الخلخال والاساورْ
مسلوبة الامشاط والمرايا . منهوبة الجواهرْ
تلتحف الثرى
لا سقف لا حيطان لا أبواب لا شبّاك لا ستائرْ
لا ماء لا دواء لا أقلام لا دفاتر
دروبها سوح وغى ودورها مقابر
لا بأس فليغادروا
من يحسن الحساب والمقامر
والمفلس المحروب والمُتاجرْ
والوجِل الجبان والمغامرْ
وانني لعاذرْ
أما أنا
فلن أغادرًْ

تعليقات

أحدث أقدم