مصارعة الثيران

مشاهدات




ضرغام الدباغ


شاهدت مقطعا طويلاً " حقيقياً وليس تمثيل " يبدو أنه مكرس لتعظيم مصارع ثيران معاصر والفكرة تدور على "بطل" يصارع ثوراً في حلبة مصارعة بأسبانيا في مسلسل طويل من الإثارة يهدف إلى إضعاف الثور إلى أقصى درجة في عرض يضمن مسألتين : 

 

الأولى إضعاف الثور بدرجة لا يستطيع معها الثور مقاومة المصارع البطل .

والثانية إمتاع الجمهور المتعطش للدماء والتعذيب والقتل . 

 

وحين ينتهي العرض الدموي بشر قتلة للثور ويستحسنون أي ضربة يوجهها المصارع للثور والأفضل والأكثر متعة تلك الضربات المميتة . ويكرم المصارع بأعلى درجات التعظيم  والمشاهد الموضوعي يصل لدرجة اليقين أن ما نسمعه من حقوق الحيوان والإنسانية هي مجرد شعارات خيالية تستخدم لأغراض سياسية شأنها شأن شعارات أخرى كحقوق الإنسان والديمقراطية والإرهاب والعدالة الدولية (محكمة الجنايات الدولية).تتخذ كذريعة الغرب بقيادة الولايات المتحدة تبتز بها خصومها فيما شرعت هي قانوناً يبعد الموظفين الأمريكان (عسكريين ومدنيين) من المثول امام المحكمة الدولية ولم تنظم الدولة الأمريكية إلى معاهدة المحكمة الدولية فأي تناقض هذا ....! وحين تتفرس جيداً في مشاهد مصارعة الثيران وعناصره الرئيسية : الملعب (ويتفاوت في حجمه يتسع مفرجين  من المئات إلى / 20 ألف) الجمهور الذي دفع ثمن بطاقة ((بين 24 ـــ 135 يورو) من أجل أن يتفرج على عرض قد يستغرق ساعتان ونصف يحرص مخرجه أن يجعله عملية قتل شرعية لأجل المتعة ..! علية القوم ممن يجلسون في شرفات عالية والثور المسكين المغلوب على أمره ولا أحد يراعي في قتله حرمة أو حشمة وحشد من مصارعين (6 مصارعين ثانويين) مهمتهم إلهاء الثور وإنهاكه لدرجة لا يعد الموت شيئا مهماً والمصارع الرئيسي البطل المشهور الذي يبدو أنه فتك بعدد كبير من الثيران .

 

" مسرحة الموت "

وهذه اللعبة الدموية اكتسبت قواعد وتقاليد بمرور السنوات بل وأصبحت جزء من الذاكرة الاسبانية : المجتمع والاقتصاد الاسباني وحتى الثقافة الاسبانية فقد دهشت إذ شاهدت عدة أعمال فنية للرسام الكبير بابلو بيكاسو ومؤكد أن هناك فئة عريضة تعتاش على هذه اللعبة وما يتبعها من وفرة في اعداد الثيران واسطبلات تربيتها وتدريبها وملاعب تتصل لحد 20 الف متفرج  وملاعب تدريبية وخيول ولاعبين وصناعة ملابس المصارعين الرئيسيين والثانويين والأسلحة : رماح طويلة ورماح قصيرة وسيوف كل هذه من أجل التفنن بقتل ثيران تجلب إلى الملعب لتقتل بعد تعذيب شديد أذ يبدأ حفل الموت بدخول ستة مصارعين ثانويين وهناك فارسان عل صهوة الخيول مزودان برماح طويلة لها شفرات حاد، يدخل هؤلاء الحلبة ويستعرضون أناقتهم وسط هياج الجمهور ثم يدخل الثور المسكين وهناك شريط أسود صغير في أعلى كتفيه لا أعلم على ماذا يشير  ثم يبدأ المصارعون الثانويون بطعن 6 ــ 8 رماح صغيرة في أعلى كتف الثور معلنة افتتاح الحفلة الدموية والفرسان يطعنان الثور بالرمح الطويل وكل هذه المقدمات ضرورية لأنهاك الثور ويجعل مهمة المصارع الفنان سهلة نسبياً . يأتي دور المصارع البطل ويدخل الحلبة متهادياً بكبرياء  ينظر للثور بإزدراء والثور يلهث وينزف الدماء تسيل حتى ساقيه ويبدأ بالرقص حول الثور وبيده قطعة من القماش لها وجهان الأول أحمر أو قريب للأحمر ثم وجه آخر أصفر . والثور قد درب طويلاً على أن اللون الأحمر استفزازا لكرامته وحين يلوحون له باللون الأحمر يهجم الرقعة ولا يهاجم المصارع لأنه يعتقد أن البلاء هو في الرقعة الحمراء وليس في في المصارع ولا يدرك أن الأحمر هو خرقة لا تضر ولا تنفع وأن الموت قادم من هذا المصارع الراقص ...! وليس من غيره فالجماعة مقسمين الأدوار ومتدربين عليها ...!

 

قرأت قبل أيام أن الكلب الحارس يعتقد أن مهمته هي حراسة القطيع والذئب يعتقد أن من يمنعه هو هذا الكلب السخيف الذي يخدم مولاه ولا يقبض سوى العظام والخراف تتصور أن الذئب يفترسها والكلب يحميها والذئب يعتقد أن مقتله في بندقية الحارس ولكن الجميع مخطئون فالكلب هو الخاسر الأكبر والذئب مقتول ..مقتول ومن سيبيع الخراف أو من يذبحها ويلتهمها هو الراعي نفسه ... حكمة بليغة ...! المصارع البطل راقوص (البطل المزيف) يستلم الثور متعباً يائساً  في كتفيه بين 6 ــ 8 رماح صغيرة والمصارع الراقص يزيد في إنهاك الثور وإذا أردنا الحقيقة فإن الثور لا يخلو من التقصير فهو يهجم على الرقعة الحمراء وينطحها ربما خمسون مرة ... دون أن يكتشف ان الموت بين يدي الراقوص .. الذي يبالغ في الرقص ويستمتع بهتافات الجمهور وغمزات الحسناوات على المدرجات وبعضهن يقذفن بمناديلهن له تعبيراً " أني اموت عليك ..." ورجال يقذفون بقبعاتهم كدليل على الإعجاب المفرط (تعاد لهم فيما بعد) وبعد صولات وجولات كثيرة ..... يقتنع البطل الراقوص أن المسألة قد نضجت وحان وقت قطافها ... فيخرج السيف ويتفنن في اللعب والهز .... وأخيرا تحل المأساة حين يغرز البطل الراقوص السيف بين كتفي الثور وأعتقد أنه يحدد المكان بدقة ليلمس السيف القلب ...  القائمون على هذه اللعبة السمجة بدأوا يدركون أن الرأي العام يعتبر هذه اللعبة سخيفة وتنطوي على همجية فالمشهد الأخير في مسرحية الموت يجري غالبا التغاضي عنها الثور لا يموت أمام الجمهور ولكنه في حالة موت وبظهره وصدرة رماح وسيوف .... ويحرموه من الموت بطلاً أما الناس .. فيموت في اسطبل أو مزرعة.....  رغم أن أجيال بعد أجيال ربيت على أن مصارعة الثيران شأن ثقافي وطني ولكن الأجيال الجديدة تجد في هذه الرياضة سخافة ينبغي أن تتوقف ..

 




تعليقات

أحدث أقدم