الخوف من النقاد

مشاهدات

 


عائشة سلطان

 

توجّه صحافي شاب إلى الروائي الشهير غابرييل ماركيز بهذا السؤال :

ما رأيك في النقّاد الذين يحاولون وضعك في قالب أو تصنيف معين ؟

نظر إليه غابرييل غارسيا ماركيز ودون كثير تفكير أجابه :

 

النقاد بالنسبة لي هم أكبر مثال على مشكلة المثقفين هم لديهم نظريات تحدد الطريقة التي يجب أن يكتب بها الجميع ثم تبدأ محاولاتهم لوضع الكاتب داخل هذه النظريات كي تناسبه مقاساتها الضيقة وإن لم تناسبه هذه المقاسات فإنهم يحاولون إدخاله فيها بالقوة . أنا أجبت عن هذا السؤال لسبب وحيد هو أنك طرحته أما الحقيقة فأنا لا أملك أي رغبة في معرفة آراء النقاد عني ولم أقرأ لأي ناقد كتب عن أعمالي منذ زمن لقد نصّب هؤلاء أنفسهم وسطاء بين الكاتب وقارئه  لطالما حاولت أن أكون كاتباً واضحاً ودقيقاً كي أصل إلى القارئ دون الحاجة إلى ناقد أو وسيط . وكما فعل ماركيز الكاتب الذي يعد واحداً من عظماء السرد في العالم بغضه الطرف عن وصايا النقاد ومحاولاتهم قولبة الكتاب فإن كثيراً من فلاسفة ومنظري الأدب ذهبوا إلى أبعد من التجاهل وعدم الاستجابة للنقاد أو الاعتراف بدورهم فهناك من دعا إلى إلغاء دورهم وهناك من قال بموتهم أي انتهاء دورهم ووصايتهم إنْ على الكاتب أو على النص. ولعل الفيلسوف الفرنسي رولان بارت أحد أشهر هؤلاء وهو صاحب نظرية موت الناقد .

 

فما الذي حدث لمكانة الناقد ولدور النقد في مجتمعات الحداثة اليوم ؟ لماذا هذه النزعة المتطرفة نحو التحرر من جميع الأطر والانفلات من كل ما له توجيه ؟ لماذا هذا الخوف المرضي الذي ينظر لكل محاولة لضبط المعايير وحماية الذوق والتاريخ العظيم للأدب والذائقة باعتباره وصاية ومصادرة للحرية على اعتبار أن اختلاف الأذواق حق علينا الاحتفاء به وحمايته  وليس مصادرته عن طريق الوصاية الأبوية النقدية ؟ الوصول للقارئ بدقة ووضوح وبأدب عالي الجودة أمر لا يتوافر لكل كاتب كما أننا لا نتخيل أن جميع من ينتج نصوصاً وروايات هم بالضرورة يشبهون أو في مستوى ماركيز هذه مسألة تحتاج دوماً إلى نقاش . 


المصدر : البيان

تعليقات

أحدث أقدم