إطلالة : بقلم / الناقد المصري الاستاذ حسن النجار . "عالية محمد علي .."

مشاهدات


 

شاعرة عراقية ولدت وتخلّق حسها الشاعري في مهب العاصفة .
وجعك ايتها الشاعرة هو وجعنا جميعا ، فقد نصحو في الصباح ولا أثر لحلم الليل . الوطن هو القصيدة ، وهو الملتقي حين لا يدل الطريق على الخارطة .
العراق هو العراق دائما ..وطن الشعر أو الوطن الشاعري الذي يمخر عبابه نهران منذ الأزل .
الشعر مأساتنا ، ومرجعيتنا التي نعود إليها من أسفارنا عبر فضاءات انشغالاتنا .
هكذا ينبت في بستان " عالية " صوت الشعر الأبدي كناي في البرية يستجدي العابرين
(هنا الشعر عندي ملاذُ أمينٌ
هنا الشعر عندي سليل الكلام )
رغم المحنة التي يمر بها العراق اليوم ، وكل يوم ، سيبقي الشعر دائما ملاذنا وضالتنا المنشودة . وهذا الجيل من الشاعرات العراقيات حفيدات السياب سيمنحنا بالضرورة شعلة أمل في طريق طويل وصعب ، ولنقرأ :
( سأعترف
فأنا بحبك َ أختلف ْ
أنا طفلة ٌ لكن قلبي بالنوى
لا يرتجف ْ
أنا لا اقول الشعر كي اشكو
الهوى
فالشوق تحت جوارحي لا لن
يجف ْ
وأنا التي تدعوك َ للنجوى وقبلك
أنصرف ْ
وإذا رأيتك َ هاويا ً
متعجرفاً
فلسوف أصرخ ُ حينها :
يا قلبُ قف ْ
وأعود للخذلان ملء
إرادتي
وعلى تلال القهر ثكلئ
أعتكف
فأنا أمام الثلج ِ أكسر حاجزي
وطبيعتي لا أنكشفْ
لا دمعتي الخرساء ترهب مقلتي
وأمام ضوء وداعتي تهوي الصحف ْ
ممزوجة ٌ بالعطر كل كتابتي
لكنني لا أنجرف
ْوأظل أحمل شعلتي نحو
السما
ولديَّ شمس أناملي
لا تنكسف ْ .
هذا الإصرار العجيب علي تجاوز محن الحاضر المؤلم عند "عالية" هو رمز من رموز الشموخ العربي ، مثل صخرة لا تهزها ريح .
ولنقرا ايضا :
(والسوق بلا ألوان
والطرق مغلقة
والميزان يبكي كفتيه الفارغتين
والنهر يعافه الرعاة
ففي السقيّ الأخير
كان ذراع امراة
ينتهي كفها بالحناء
منحشراً بين تروس الألة
التي ترعف الماء
حين يكون الموت مجاناً
وللجميع
يبكي العشب خوفاً من الليل
والدروب بلا نهايات
ولا عتبة يستريح عندها الطريق
موبوء ذلك الدرب
بالعشب الضار وأوجاع
العابرين
وتحتمي الأجفان بالنعاس
هرباً
حين يذوي الورد .
محنة "عالية " هي محنة شعب كان ذات يوم عظيما برجالاته ونسائه وحتي أطفاله ، لكنه الآن يمارس طقوس الفجيعة وحده
( ولا عتبة يستريح عندها الطريق )
والشعر هو الملاذ ، وكأن السياب عاد إلي الحياة من جديد يرسم بيتا يقيم فيه أحفاده الشعراء .
الشعر هو الملاذ .

تعليقات

أحدث أقدم