مسألة المواطنة

مشاهدات

 


سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية



تقوم الدنيا بسبب ادعاءات عن عدم مراعاة خصوصيات الطوائف والاعتداء على مقدساتها ومكتسباتها وسلطتها بما يهدد السلم الأهلي والميثاقية الاستنسابية التي يتذرع بها زعماء الطوائف ممن يطيب لهم أن يسخِّروا الطائفة بكل أبنائها لمصالحهم الخاصة المتعلقة بالنفوذ والفساد .. لذا فإن تداول رقم يتناول عدد المسيحيين يصبح القضية الأم لا سيما إذا ما صدر عن مسؤول غير مسيحي ليصبح الرقم استهدافا مباشرا لحقوق الطائفة ووجودها برمته . كذلك يمكن أن تتحول جريمة فردية طالت رجل دين مسلم إلى وسيلة استغلال لفتن أهلية لتستنفر الطائفة وتتهم الطائفة الأخرى أو لتستنفر الطائفة المُتَهَمَة وتستخدم بدورها الجريمة لتصفي حساباتها وترمي الحُرم على خصومها . والعجيب أننا لا نرى استنفارا مشابها من أي مسؤول وبطانته عندما تموت باقي القضايا المتعلقة بنهب المواطنين وعجزهم عن شراء الخبز ناهيك عن الدواء والاستشفاء والتعليم والتي يتعامل معها المسؤولون وكأنها من الكماليات . فكل هذه "الكماليات" لا تضاهي بنظر زعماء الطوائف أهمية رقم يتم تداوله عن عدد المسيحيين أو استهداف رجل دين وتجاهل استهداف شعب بكامله .

 

والمفارقة أن هذا الاستنفار الطائفي الذي يسارع إليه المسؤولون يزج بكل طائفة في مربعات انعزالية ويجيشها لرفض الآخر وتخوينه وعدم القبول به والذي لا يوفر فرصة ليتحول لغما ينفجر بجميع اللبنانيين لا يقدم ولا يؤخر قيد أنملة من تعاظم الأزمات واستفحالها . أو أن الأمر لا علاقة له بالمفارقات ففي لبنان لم يضر زعيم بطائفة ما أكثر مما أضر بطائفته وتكفي عملية رصد بسيطة للمواقف النارية الشعبوية لهذا الزعيم أو ذاك لتؤكد هذا الواقع . أو لأن الأزمات مدبرة في الأساس بحيث ينشغل الناس بربطة الخبر ويرهنون أملاكهم وأرواحهم وقناعتهم ليتمكنوا من الحصول على دواء أو استشفاء فلا يجدون إلا زعيم الطائفة ومن لف لفه لمساعدتهم لأن لا دولة تهتم بتأمين حقوقهم بحدها الأدنى . أما عن استحالة التعليم إلا للمقتدرين فهو أكثر ما يخدم زعماء الطائف ويطيح لهم قيادة رعاع يتحولون بكبسة زر إلى جيوش من الجاهلين الغرائزيين الحاضرين لتنفيذ ما يُأمرون به . ولكن في خضم قيامة الدنيا وعدم قعودها بسبب رقم للمسيحيين او جريمة فردية او صفقة نهب مبرمج بحماية مسؤول يختصر الطائفة بشخصه غير الكريم تبقى مسألة المواطنة هي الغائب الأكبر .

 

هذه المسألة تحولت حجر أساس لبناء الدول المتماسكة وهي ليست شعارا أو أغنية أو مهرجان واللبنانيون ماهرون فيها ولكن من دون مفاعيل عملية على أرض الواقع كما هي الحال عند دول تمكنت من الاستشعار بمدى أهمية الخطوات الضرورية التي تنقل المجتمع من مكان إلى آخر من دون إحداث هزات ثقافية ولكن بعدم الخوف من الانفتاح وقبول الآخر واحترام خصوصياته تحت سقف القانون الذي لا يفرق بين المحظيين من المقربين إلى أهل السلطة وبين عامة الشعب . فمسألة المواطنة المقرونة بالانفتاح على كل ما من شأنه تعزيزها وتحويله الوطن إلى حيثية وليس إلى أغنية أو شعار أو حنين، هي المحفز للنمو . وليس عدد المسيحيين أو المسلمين في وطن هجره أكثر من 200 ألف لبناني عام 2022 ومن المتوقّع تسجيل رقم مماثل سنة 2023 . وعلى الرغم من هذا الرقم الذي يفترض أن يدفع الجميع إلى الاستنفار نجد أن المطلوب إرساء معادلة "كلهم فاسدون إلا زعيمي" . أما مسألة المواطنة فهي في خانة الكماليات كما الخبز والعلم والاستشفاء والدواء . 


المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم