نشاط الاستخبارات الألمانية في كسب المتعاونين في الحرب العالمية الثانية

مشاهدات

 


ترجمة : ضرغام الدباغ

 

تحرير : أوفه كلوسمان : Uwe Klußmann

في : دير شبيغل / 10/ 06 / 2011 : in Der Spiegel am 10.06.2011


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تمهيد

هذا التقرير يشير (إلى جانب تقارير أخرى) أن الجيوش الألمانية التي غزت بلدان أوربا الشرقية ولا سيما الاتحاد السوفيتي كبلد كبير يضم أعراق وطوائف دينية عديدة (مسيحيين ومسلمين ويهود) وقوميات عديدة وابناء الديانة المسيحية مقسمة إلى كنائس عديدة (أرثودوكس، كاثوليك، بروتستانت) . والمخابرات العسكرية التي ترافق القوات في تقدمها كانت تحاول أن تجد الثغرة بين أبناء البلاد بأي وسيلة كانت لتمنع اجتماع كلمتهم وإرادتهم على مقاومة المحتل الأجنبي أولاً ومن ثم لتجد ثانياً من هو على استعداد ليكون عوناً لها في إطار مساعيها في السيطرة على البلاد والعبث بمقدراته الوطنية . وفي هذا الإطار وجدت السلطات الألمانية وأجهزة الأمن والاستخبارات الوسيلة لتستغل ما تعتبره الشيوعية جزءاً من آيديولوجيتها ضد الأديان بصفة عامة وضد المسلمين بصفة خاصة لذلك عملت على استقطاب المسلمين في جانبها ونجحت بدرجة ما وكذلك استغلت موقف الدولة الشيوعية من الكنيسة الأرثودوكية فعملوا على كسب وتوظيف سخطهم في نشاط دعائي وصحفي واستخباري . والبعض من هؤلاء مضى بعيداً في تعاونه مع المحتلين الألمان . العدو المحتل وحتى قبل أن يشرع بعدوانه السافر يحاول تقسيم أهل البلاد ومن هذه يخلق متعاونين معه أولاً ثم في مرحلة لاحقة ربما ينجح في تجنيدهم إلى جانبه. وفي الواقع أن الجهد الأجنبي أي كانت طبيعته ..سياسية إعلامية.. استخبارية.. عسكرية.. له هدف واحد هو تفتيت إرادة أهل البلاد ليحاول تالياً أن يمزق وحدة البلاد ويقتل الوحدة الوطنية ويتوصل ربما أن يشهر المواطنون السلاح بوجه بعضهم لخدمة المصالح الأجنبية . فيختار العدو من بين من يجدهم الأكثر تهافتاً والأكثر ارتماء وركوعاً وتساهلاً في الحقوق والشروط الوطنية وفي الولاء للقيم السامية انحداراً قد لا يعرف له قرار يبلغ في كثير من الأحيان تعاون يبلغ درجة رفع السلاح والعدو يختار هذه الشخصيات بعناية ودقة يقوم بهذه المهمات رجال مدربون ومهيئون دراسياً ويمتلكون الخبرة العملية يختارون ضحاياهم يوقعون بهم في فخ التعاون . الساقطون في شبكة التعاون مع العدو قد يكون لهم حظ ضئيل من التعليم وآخرون يدفعهم الحقد السياسي والنظري الأسود لدرجة أن يفعل كل شيء وقد أصاب العمى بصيرته. أو آخرون ممن عرف العدو بدقة نقاط الضعف في شخصيته وأن جدار الحماية الوطني لدية ليس عال بدرجة كافية واختراقه هين وواهن بتدبير منا يحتاج إليه من حاجات مادية أو معنوية فقد تكون لديه حب الزعامة طاغية لدرجة يعتقد أن العدو سيحصل على مكتسبات ويهديها له أو بعض منها أو يجعله شريكاً فيما حصل عليه . قد يكون العميل ذكياً ولكنه يصبح أبلهاً حين يكون للأمر علاقة بطموحه . وكثير من المتعاونين يندمون على فعلتهم ولكن هل بوسعه إصلاح ذات البين قبل فوات الأوان ....؟ هذا الكتاب هو فصول متفرقة ولكنها تصب في مجرى واحد رفع درجة الوعي الوطني فالوطن يعز عليه أن يسقط أحد أبناءه بين مخالب العدو حتى لو كان هذا المواطن معارضاً للحكومة القائمة فالوطن ليس حكومة ولا نظام الوطن هو الأرض والمياه والهواء الشريف النقي ...أيها المواطن .... أينما حللت وحيثما رحلت .. الوطن أمانة في عنقك ... لا تتهاون قيد أنملة في أمر يمس الوطن .. وتراجع عن خطوة أقدمت عليها خطأ .. كن عزيزاً لا تضع لرأسك سعراً ...  


ضرغام الدباغ


قام الجيش الألماني خلال حملته على الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية بأعمال قتل وإبادة جماعية وإشعال الحرائق في المدن والبلدات ولكن على الرغم من ذلك كان هناك في الاتحاد السوفيتي من يرحب بمقدم المحتلين الألمان . وما كشف من وثائق حتى الآن تثبت كيف تمكنت الأجهزة الاستخبارية الألمانية رغم ذلك من توظيف أعداد هائلة من المتعاونين معها ولا سيما ممن كانوا من عروق ألمانية وكانوا يحتفلون ويبشرون بهتلر كزعيم لروسيا . كان الروس يدعون الدعاء الروحي / الديني بصوت يقرع الآذان بصورة غير معهودة " نصلي لله سبحانه ليمنح أدولف هتلر القوة والعزم ليحرز النصر النهائي  على البلشفية (الشيوعية). والدعاء إلى الله من خلال رجل الدين إكسراخن سيرغي في صحيفة سا رودينو (  (Sa Rodinu"للوطن" في بيسكوف شمال غرب روسيا في ديسمبر ــ كانون الأول / 1942 في موضوع ساخن متفجر " تعاون أعداد كبيرة من الروس مع المحتلين الألمان . وهناك دراسة جديدة لباحث روسي في موضوعات التاريخ في ملفات كانت مغلقة حتى الآن ( بما في ذلك جهاز الاستخبارات الداخلية (FSB) تظهر كيف أن الألمان النازيون في احتلالهم لمناطق روسية عبأوا قوى مساعدة لهم مثلت قوى مساعدة مهمة لهم . وقد سلمت السلطات الألمانية لرجل الدين المدعو سيرغي في مدينة بيسكوف منذ تموز ــ يوليو / 1941 مجموعة من الأناجيل والكتابات الدينية القديمة. وكان السوفيت قد أغلقوا آخر كنيسة في بيسكوف في أبريل ــ نيسان / 1941 وطاردت السلطات السوفيتية الشيوعية رجال الدين والقساوسة والمؤمنين بوحشية .

 

جنود هتلر يفتحون الكنائس .

والألمان فعلوا عكس ذلك فبعد احتلالهم للأراض الروسية سرعان ما قاموا بإعادة فتح الكنائس . وفي منطقة شمال غرب روسيا أعيد فتح 470 فقط من دور العبادة وسرات الحج ولكن التكاليف والنفقات كان الروس أنفسهم يتحملونها . وكان عام 1941 العام الذي غير العالم جنود هتلر يغزون الأتحاد السوفيتي وستالين نادى بأسم الحرب الوطنية العظمى وخلف الخطوط أبتدأت حرب إبادة وقتل الشعوب . ويخلص البروفيسور بوريس كوفاليف (Poris Kowaljow) أستاذ التاريخ القانوني في جامعة نوفغورود (Nowgorod) إلى نتيجة مفادها أن مجموعة من الدعاة " البعثة الأرثودوكسية " في مهمة ومقرها بيسكوف مارسوا تأثيراً هائلاً على السكان المحليين . وربما ما لا يعرفه المؤمنون الساذجون : يكشف الأرشيف الروسي تعاون المبشرون مع دائرة الأمن (SD) التابعة للقوات الألمانية الخاصة (SS) وهي من قوات النخبة التي كانت تفعل كل شيء وتجد فيما تفعله عدلاً من أجل قمع المقاومة في المناطق المحتلة من الاتحاد السوفيتي . وكانت دعوات رجال الدين إلى الوطنيين الروس بدعم الألمان المحتلين بأن عليهم " العمل والمساعدة بكافة الوسائل على إبادة ثمار وجذور الشيوعية " ولذلك سمح للمبعوثين الأردثودوكس بأن يواصلوا ويوسعوا من مهامهم في المناطق المحررة من روسيا ونشر رسالتهم هذه في الصحافة  " المؤمنين  بالمسيح " وكذلك في الإذاعة . وحاول الصحفيون المحليون جهودهم برعاية الأمن (SD) أن يقدموا الألمان كأصدقاء للمواطنيهم الروس في صحيفة (Sa Rodinu) وفي بيسكوف  قاموا بتجميع من له خبرة بأنشطة الدعاية وممن له تجربة سابقة حتى في العمل الصحفي في الحزب الشيوعي . 

 

وأثنى الرفاق من الشيوعيون السابقون على الفريد روزنبيرغ (Alfred Rosenberg) المنظر الآيديولوجي للحزب النازي الألماني (NSDAP) مبتهجين بتعينه وزيراً للمناطق الشرقية المحتلة وهو الذي كان  " الذي كان قد أمضى كل شبابه في روسيا قبل الثورة البلشفية وهو أفضل من يعرف حاجات هذه المناطق ".  (1) . والمشاغبون الروس من عملاء الألمان فعلو ذلك كما لو أن هتلر وجيشه يحارب من أجل تحرير روسيا " وأنه يريد أن يرفع من مستوى معيشة وحياة كل المواطنين الروس لدرجة مستوى معيشة المواطنين في ألمانيا . ومن أجل إثارة هذا الوهم لدى المواطنين الروس نظمت زيارات لوفود ألمانية تتألف من مختاري لقرى الروسية وصحفيين وأفراد من الشرطة (تحت الاحتلال) ومن المعلمين إلى ألمانيا ممن كانوا كمواطنين سوفيت لا يسمح لهم بالسفر ولم تسبق لهم زيارة بلدا أجنبي مطلقاً وعادوا يظهرون الانطباعات والتأثر العميق مما شاهدوه في ألمانيا الهتلرية . وقد قام رجال روس من بلدات صغيرة المصانع والمعامل الألمانية كمصانع سيمنز (Simens)  الشهيرة في برلين ومؤسسات التعليم الراقية " دار التعليم الألماني " في محافظة بايروت أو معهد الدراسات والبحوث العرقية في ولاية تورنغن وفي عودتهم راحوا يعكسون بحماس أنطباعاتهم  معجبين وينقلون ما شاهدوه . وأحد مختاري (عمدة) لقرية روسية يدعى إيفان بورودين وكان مختار لقرية من بيسكوفيتش بالقرب من بسكوف وهو شاب سبح في خياله بعيداً فكتب في صحيفة (Sa Rodinu) في كانون الثاني ــ يناير / 1943 كتب عن ألمانيا "  بلد الحدائق خطوط حديدية من الدرجة الأولى وطرق مواصلات (طرق المرور السريعة) " مشيداً هذا الشاب الروسي وممتدحاً ما وصفه " النظام المثالي " في عاصمة الإمبراطورية الألمانية (الرايخ) برلين والمعروض من السلع في المحلات التجارية وحركة بناء المنازل وكل شيء " نظيف وجميل ". (2) كان الجنرال اندريه فلاسوف من بين الذين كانوا يعتقدون أن بوسع الروس المشاركة في هذا الازدهار الألماني الذي أسس جيشه " جيش تحرير روسيا " بإشراف الألمان ولدى زيارة قام بها إلى رئاسة تحرير (Sa Rodinu) في بسكوف  ربيع عام 1943 نادى  تحت التصفيق والتشجيع إلى النضال من أجل " الأفكار الوطنية الروسية " ضد السوفيت مكرراً ما أدلى به وزير الدعاية النازي فرانتز غوبلز، أن السوفيت يقفون مع الرأسمالية الأنكلوأميركان .


كتب مدرسية روسية تمجد قادة النازي .

وفي محاولة من المحتلين الألمان لعرض أنفسهم أمام المواطنين السوفيت بأنهم اشتراكيون أفضل قام النازيون بتغير المناهج الدراسية الروسية وأوردوا في الكتب المدرسية للفصول الدراسية الثالثة الحادثة التي قتل فيها الشيوعيون الألمان في برلين عام 1930 القيادي النازي قائد منظمة (SA) هورست فيسل وقدموه كبطل والكتاب قدم الحزب النازي وثورته السلمية والنظام النازي كنظام"  العمال والجنود "  والعدو للبلشفية . ولكن الدعاية كانت تفقد مفعولها تدريجياً وكلما طال أمد الاحتلال وبينما كان التلاميذ في المدارس يرددون مقاطع من الدعاية النازية المعادية للسوفيت في الواقع كان السكان يتضورون جوعاً بسبب نهب القوات الألمانية للمحاصيل . وأيضاً كان يجري حرق القرى التي يبدي سكانها المقاومة وقد جرى ذلك بالقرب من مدينة بيسكوف مقاتلون ينتمون إلى المقاومة .  (3)  وفي نهاية عام 1944 عاد الجيش الأحمر (السوفيتي) إلى بلدة بيسكوف وبالنسبة هكذا يخبر الباحث في التاريخ كوفاليف " ولفترة قصيرة كان التهليل والتمجيد يجري للدكتاتور ذو الشارب القصير (كناية لهتلر)  بدل الديكتاتور ذو الشارب الطويل (كناية لستالين) . والآن النظام السوفيتي عاد كمنتصر وكان قد أعد وسائله للمتعاونين : الإعدام رمياً بالرصاص أو في أفضل الحالات السجن مدى الحياة .  وفي نهاية تموز/يوليه 1944 عاد الجيش الأحمر إلى بيسكوف . بال والنظام السوفياتي المنتصر أعدت وسائله ثبت : إطلاق النار أو في أرخص فخ  احتجاز طويل الأجل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

1- أعدم هذا الوزير النازي ضمن أول مجموعة أدينت بالموت بعد محاكمات نورنبيرغ . المترجم

2- ينقل المتعاونون صوراً مهولة عن تقدم من يعملون في خدمته ويخونون الوطن من أجله وكأن تقدم وثراء  أي بلد سبباً في أن يرتمي في احضانه الخونة ثم أن هذه البلاد هل بلغت هذا المستوى من التقدم بفعل الخونة من مواطنيها أم المخلصين منهم ..؟.

3. من البديهي أن الداعية المؤسسة على أكاذيب يفسد مفعولها بمرور الزمن وفيما يقل مفعول الدعاية يتصاعد حجم الإرهاب.  

 

/ المترجم

تعليقات

أحدث أقدم