ترانيم... الى الدار المرقّمة ....الوزيريّة في بغداد

مشاهدات


 

موصل تغلب

 

الى ضحكات الصحاب وذكريات الطفولة . الى الشوارع .. الازقّة ..الجدران التي تحمل عبث مخيلاتنا .. رسوماتنا . أقلام الرصاص ... حقائبنا المدرسيّة الملوّنة بأقواس قزح وأحلام  بائع الكاهي ...نداءاته الصباحيّة الشهيّة ووقع اقدامنا الصغيرة مهرولين لاحقين به أو محاولين . الى كلّ من تغرّب وحمل بداخله دعوات أمّه ووطنه . الى الاحبّة الذين فارقنا والذكريات والدعوات والدموع التي تركناها على أرض المطار بانتظارنا .

الى بغداد..

الحب الذي لا ينتهي 

والزمن الذي يأبى 

وبكااااااامل مشيئتنا 

الرحيل

ترانيم

الترنيمة الاولى : مهداة الى بغداد بمناسبة عشقي الدائم لها . عندما نبحثُ عن مفرداتٍ لشوقنا ونعجز تصبح الكتابه قيدا يخنقنا وعذابا جديدا يضاف الى سلسلة عذاباتنا لا لشيء إلّا لأنّها تؤجج هذا الشوق  توصله الى حد غير محتمل ثم تعجز عن اخراجه فيبقى فينا متأجّجًا  لايطاق . ترى هل يشعر القلم بقدسيّة الحنين ؟ بصعوبة ان يحيا الانسان يومه لحظة لحظة فلا يرى في وجوه من يصادفهم سوى الملامح التي تذكّره بوجوه أحبّةٍ  فارقهم ولا تلتقط أذناه وسط كلّ الضجيج والاحاديث غير تلك الكلمات التي سبق أن سمعها يوما في لحظة ما ذهبت ولم تترك سوى صداها . كم من الصعب أن تغمض عينيك فتمرّ بك خيالات تلك الاوقات التي أحببتها حدّ الجنون ثمّ تفتحهما فلا ترى إلّا ضبابا هو إن تحسّسته  جيدا دمعٌ تجهل حتى من تركه أنت وأنت تبكي ذكرياتك أم ذكرياتك وهي تبكيك . كم من الصعب ألّا تتقن الكتابة كما تريد لأنّ  الحروف تنفذ والكلمات تتكرّر . وحده الشوق يولد جديدا كلّ يوم ليضاف إلى ما قبله وينتظر ماسيأتي بعده ثم يبحثُ عن كلمةٍ أو حرفٍ يستوعبه وإذ لايجد  يستقرّ  فيك هادئا فيحيلك الى ما يشبه حالة انسان أُثخِن بالجراح  فلبث ساكنا  ليس لأنّه فقد إحساسه ولكن خوفا من هبّةِ هواء ربّما زادت جراحاته الما . يستوعبك الشوق ثم يترك بقيّته الآتية  كي تملأك الى اخر يوم فراق ولأنّه لم يترك ذرّةً منك إلّا وسكنها يدعو ما فاض منه كي يسكن وقتك الاتي لأنّ  حاضرك بات جزءا منه . كيف يمكن ان يحدث هذا  ؟ يتوقّف زمانك في لحظة معيّنة ثم يبدأ تاريخ جديد لك تحسّ أنّك إنّما  تعيش عمرا خاطئا لابدّ  أن تجتازه كي تصل تلك اللحظة التي حدثت ذات مطار واختصَرَت  كلّ عمرك السابق فيها ثم توصلها بلحظة تنتظرها تعشقها ستحدث ايضا ذات مطار . وتعود لتحمل زمانك هذا  الذي عشته خارج العمر خطأ لتحفظه في كرّاسة مدرسية قديمة  ولتفكر كلما طالعته : كيف كان بإمكانك أن تحتمل لحظاته . وقتها سينتابك احساس من خرج من بئر مظلم وعندما واجه ضوء الشمس التفت ونظر في قرارة البئر ثم تساءل هل استطاع حقًّا  أن يحيا هناك . ترى هل تمحو العاطفةُ قانونَ المسافات ؟ أم هي تحيله الى ضدّه   فتجعل الاقتراب أشدّ كلما بعدت المسافه وطال الزمن ؟ وماذا  تراك فاعلا لحظة اللقاء ؟ هل ستحتملها دون دموع ؟ أم أنّ دمعك سيشفق عليك من حرارته فيأبى أن يسيل ؟ بغداد .. عندما يخون أحبّة . تنهار قيم وتقوم أخرى تحملنا الطرقات الى متاهات تتعبنا نفقد براءتنا تزلّ أقدامنا . وتلفح رياح الغربة الباردة قلوبنا. وعندما نغفو على حلم عودة ودمعة شوق ...تطلّين . تقيلين عثرتنا تمسحين جباهنا وتملئيننا حبًّا   ودفءا كما اعتادت أن تفعل حكايات أمّهاتنا . تعلميننا كيف يكون العشق العراقيّ  وكيف يكون الشوق العراقي وكيف يكون الزهو العراقي .

 

الترنيمة الثانية : مهداة إلى  صباح  في عيد ميلاده الاربعين وذكرى  استشهاده . 

اتذكّرك الان وبعد 10 اعوام على رحيلك كما كنت دوما حاملًا  كيس حلوى وفرح الى صغيرتك التي كنت تصرّ على انها ستبقى صغيرة ! أتذكّرك  الان .. جالسا على سطح الدار تنثر البذور  لطيورك التي الفتها اكثر من الفتك أحدًا من البشر تحدّق عيناك في البعيد وتهمس كعادتك : كلّ الاشياء إلى زوال إلّا  الذكريات الحلوة كلّ الاشياء إلى زوال . أتذكّر اسطرا كتبتها قبل رحيلك عن الشهيد أسميتُه مجازا : عبد الله  يومها دخلتَ المكان الذي قرأت فيه كلماتي وعنقك كما اخبرتني يكاد يطاول السماء فخرا بصغيرتك التي اصبحت تكتب وبعد اسابيع استشهدت أتذكّر رسالة استلمتها من شاب سمعني ألقي مقالي  ذاك يقول : شكرا على ما كتبتِه عن الشهداء شهيدك عبد الله يشبه في بطولته وذكراه  شقيقي الذي استشهد عدا أن أخي يدعى صباح قرأت رسالته وهمست وعبد الله ايضا يدعى صباح  لم أعلم أنّني كتبت مرثيتك قبل ان ترحل ! 

 

أخي .. ايها الساكن بين نبضات القلب والقلب  تملأ مسافات الذاكرة  فرحًا ودموع تنساب ذكرياتك الان كحلمٍ طفوليٍّ رائع رحل تاركا ضوعه . دفأه وشيئا منه يذكّرنا بأنّه كان كبستان ليمون في ليلةٍ ممطرة  كعطر وردة تأبى قبل الذبول إلّا ان تمنح كلّ ما في أريجها  من أريج  كرنّةِ ضحكة قديمة قِدَم العمر كلّه . كمسافر ترك اثار اقدامه على الطريق ليذكّرنا أنّه ذهب وليذكّر الطريق أنّ خطواتِه لم ترسم عليه بل حُفِرَت في قلوب من بقي بعده . كطائرٍ مهاجر… كما أنت راحلًا/ شهيدًا في الثلاثين.. باقيًا مدى العمر وصغيرتك التي كبرت الآن تحدّق كما كنت تفعل في الافق البعيد تحلم بكيس حلوى وفرح واسراب طيور وبذكرى من احلى ما يكون تدعى صباح  يتردّد  صوتك في قلبها : كلّ الاشياء إلى  زوال الا الذكريات الحلوة كلّ الاشياء الى زوال .

 

الترنيمة الثالثة : إلى  ابطال العراق الراحلين ... في مطلعِ كلّ كانون تجتمع أيّام اعمارنا جميعا لترفع الشعلة التي برحيلكم اوقدتموها . لنقُل  لكم : على دربكم نحن سائرين وليحفظ الله العراق . ليحفظ الله العراق . ليحفظ الله ....العراق

تغلب

كتبتها قبل أعوام 

في الأوّل من كانون

تعليقات

أحدث أقدم