خليج فارس هو غير الخليج العربي .

مشاهدات


 أ.د. سيّار الجميل



خفايا ودلالات الحلقة 24 :  الخليج العربي اسماه الفرس قديما :  "بحيرة العرب " " بحر فارس " هو غير" الخليج العربي " عند الجغرافيين والبلدانيين القدامى ! 

 

هذه حلقة جديدة  تبحث عن حقيقة تسمية الخليج العربي وهي تكمل ما بدأته في الحلقة السابقة واحاول الكشف عن الموقف  في العصور الوسطى من خلال ما فعله البعض من الجغرافيين البلدانيين الفرس الذين كتبوا مآثرهم باللغة العربية ولكنهم اساءوا جدا في تسمية الخليج العربي  ببحر فارس وثمة تفسيرات تقول بأنهم قصدوا ببحر فارس غير هذا الخليج  ولكن منهم انتشرت التسمية الى كل العالم  بعيدا عن  حقائق عروبته منذ القدم  او حقيقة سومريته من القدم الأقدم ..  دعونا نعالج  هذا " الموضوع "  على مهل  .. 


ألإستلاب التأريخي :

إن أول من سماه "الخليج الفارسي" ابن رستة عام 290هـ  وهو أحمد بن عمر كنيته أبو علي والمعروف بابن رسته (توفي نحو 300هـ/ 912م) وهو جغرافي فارسي من أهل أصفهان . حج عام 290هـ وصنف كتاب " الأعلاق النفيسة " وصف فيه الكثير من المدن والبلاد. ويقع كتابه في سبعة أجزاء لكن لم يصلنا منها إلّا الجزء الأخير بمعنى أن ابن رستة قد سّن "التسمية" من دون أي حقائق عربية يمكن الركون إليها وقبل أن نجد سريان تسميته في ثقافة العرب القديمة إذ لم نقع على تسمية كهذه من قبله قطّ . وبناءاً عليه فقد وجدناها تتسرب إلى الثقافة العربية القديمة أولاً ونجدها قد تسربت إلى الغرب ثانياً لتغدو تسمية يستخدمها العالم من دون أن يدري طبيعة البحر ومن يتملكه. ولكن علينا أن ندرك أن خطر هذه التسمية فارسية قد زاولها بعض المؤلفين والبلدانيين الفرس في الثقافة العربية  وتداولها العرب في ثقافة عربية قبل ذيوعها عند الفرنجة وقد يكون لوجهة النظر هذه أخطاؤها إذ يختلف تعريف هذا "البحر" عند المؤلفين العرب القدماء أنفسهم وتحديد موقعه كما سنرى لاحقا ً. عام 290هـ سماه سهراب ( ابن سرابيون) أول مرة " بحر فارس والبحر الفارسي" ولا ندري أيضًا أكان يقصد به الخليج العربي أم قصد غيره من البحار؟ ذلك أن إيران تحيط بها من الغرب والجنوب بحار تتصل بالمحيط الهندي ! وفي العام 332هـ ذكره المسعودي بإسم البحر الفارسي في الخليج الفارسي وسماه "بحر فارس" كذلك وصفه الأصطخري عام 340هـ  وبزرك بن شهريار رامهرمزي عام 342 هـ  ومحمد بن أحمد المقدسي في عام 375هـ بخليج فارس هنا نتساءل : كيف تحوّلت التسمية من "بحر" إلى "خليج"؟ وهل كان يقصد ببحر فارس الخليج الذي يعنينا أمره جغرافياً ؟ ذلك أن تسمية "البحر" بقيت مستخدمة ففي العام 367هـ سماه ابن حوقل "بحر فارس" وعام 372هـ سماه صاحب "حدود العالم" خليج بارس (= خليج فارس) وعام 420هـ كتب أبو الريحان البيروني اسمه "بحر فارس" وخليج بارس (= فارس) في كتاب مسالك الممالك الترجمة الفارسية العائدة إلى القرن الخامس/ السادس الهجري وردت لفظة "يارى بارس" (= بحر فارس) اسمًا لخليج في البحر المحيط . 

 

أ. من بحر إلى خليج

هنا نتوقف لنسأل : لماذا تحوّلت التسمية من "بحر" إلى "خليج" ؟ وهل كان السابقون يقصدون الخليج العربي أصلًا ؟ في العام 500هـ أطلق ابن البلخي "درياي بارس" (= بحر فارس) ولم يقصد الخليج المومأ إليه أصلًا ! وفي العام 605 هـ سماه محمد بن نجيب البكران "بحر بارس" (= بحر فارس) وهو كما اعتقد لم يقصد الخليج العربي أصلًا! وفي العام 625 هـ سماه ياقوت الحموي "بحر فارس" وهو ينقل معلوماته عن الآخرين بصدد الخليج المشار إليه من دون أن ينتبه إلى المفارقة الجغرافية. وفي القرن الثامن ذكر حمد الله المستوفي الامتداد البحري من السند وحتى عمان جزءًا من بحر فارس . وبناء عليه فإن المستوفي هو الأصوب كما هو الأشد مطابقة للجغرافية من الآخرين بعد مقارنته بما قالوه ! ويؤكد لنا ذلك ابن الفقيه في القرن الثالث الهجري عندما قال إن بحر فارس متصل ببحر الهند وهما بحر واحد بمعنى إنه لم يقصد الخليج العربي أصلًا فالخليج لا يتصل ببحر الهند البتة . أمّا ابن رسته فقد قال إن بحر فارس شعبة من المحيط الهندي . هنا يتأكد لنا جغرافيًا أن ابن رستة قد قصد أحد بحار المحيط الهندي أي الأقرب إلى الهند منه إلى العرب أو بلاد فارس!

 

ب - عقدة الالتباس :

ويؤكد ذلك الأصطخري عندما يعتقد أن بحر فارس يمتد حتى الهند علمًا أن البحار العربية وخاصة البحر العربي متصلة بالمحيط الهندي (= بحر الهند) وليس الخليج العربي بالذات. أمّا ابن البلخي فقد قال إن بحر فارس جزء من البحر الأخضر ولم أجد هذه التسمية عند الإغريق ولا عند العرب ولا عند الفرس لكي يأتي الإدريسي بعد ذلك ليسمّي البحر الأخضر بحر فارس وقال إنه متصل ببحر الصين . بمعنى إن بحر فارس هو غير الخليج العربي مطلقاً  فأين الخليج  العربي من بحر الصين؟ وعدَّ ياقوت بحر فارس شعبة من بحر الهند الأعظم (= المحيط الهندي) . كما يمكن تتبع ظهور اسم "بحر البصرة" إلى مرحلة الفتح الإسلامي وقد استخدم هذا الاسم العديد من الجغرافيين والمؤرخين والمؤلفين العرب مثل ياقوت الحموي وخليفة بن خياط والخليل بن أحمد الفراهيدي . وفي عصر الخلافة العباسية ظهر اسم آخر للخليج العربي وهو "خليج العراق" الذي كان يستخدم إلى جانب اسم "الخليج العربي" .

 

ج . التسميات الفارسية القديمة :

أمّا في الأدبيات الفارسية فقد ذكر نقلًا عن حمزة أن إسمه بالفارسية زاره كامسير (= بحر كامسير) وإسمه المحلي قرب مهروبان زراه أفرنك (= بحر أفرنغ) وهذا يدل على أن البحر الواقع جنوبي إيران لم يكن له في القديم اسم واحد وكان يسمى في كل نقطة من نقاط الساحل باسم تلك النقطة مثل بحر مكران وبحر كرمان لتسمية المياه الساحلية في هاتين الحالتين في بندهش أيضًا لم يرد اسمه إلّا "البحر" فقط .


د. الفرس القدماء اسموه بـ  " بحيرة العرب " !

وبناء عليه فإن المصادر الإيرانية القديمة لم تطلق تسمية بحر فارس على الخليج العربي قطّ ففي جزء من مخطوط يعود إلى العصر الساساني ذكر اسم المياه الساحلية التي هي جزء من الحيرة (: أحيانًا بإسم مياه حجر أو هجر الساحلية) فالتسمية عربية أساسًا عند الإيرانيين في موروثهم القديم . ومما يؤكد ما توصلنا إليه أنه في عصر شابور بن أردشير وحكم مهرزاد مرزيان في الحيرة والحيرة كما نعرف كانت عاصمة عربية للمناذرة في العراق كان الخليج العربي يُسمّى بحيرة العرب ورئي تاجيكان وفي كتاب زند وهومن يسن سُميت مياه البحرين الساحلية بهران (= بحران) . ويشيع المؤلفون الإيرانيون كما يبدو أن الجغرافيين المسلمين أخذوا تركيب لفظة "بحر فارس" من الكتب اللاتينية واليونانية . وهذا خطأ تاريخي لا يمكن قبوله البتة إذ يتخيلون أن اسم هذا البحر مأخوذ من كتابات بطليموس الذي أطلق مصطلح "برسيكوس سينوس" معتقدين أن برسيكوس هو فارس وسينوس هو بحر . وقالوا أيضًا إن المصادر اللاتينية تطلق اسم سينوس برسيكوس وهذا خطأ أيضًا عند الإيرانيين فالمصطلح لا علاقة له البتة ببلاد فارس كما يدعون أو كما بدا لهم أنه مأخوذ من اسم فارس . 

 

لقد تطورت العلوم الجغرافية في المراحل الإسلامية وأغنيت المعرفة الإنسانية بالتدريج لدى العرب المسلمين وأصبح مفهوم الخليج ملتبسًا جغرافيًا وليس أكثر وضوحًا. وإذا كان الإيرانيون يعولون على تسمية الخليج ببحر فارس منذ العام 290هـ فإنني أجد أن اسم بحر فارس لم يقصد به الخليج العربي قطّ في كتابة ابن رسته في الأعلاق النفيسة إلّا إذا أراد المؤلف أن يرسّخ فهمًا خاطئًا في المعرفة الإنسانية من خلال شعوبية عمياء كالتي اجتاحت ثقافتنا العربية من قبل  هؤلاء الذين كانوا وما زالوا يعيشون في دواخل مجتمعاتنا ولكن عواطفهم وانتماءاتهم  وولاءاتهم  الى غيرهم . 


ملاحظة : سأخصص لهذا " الموضوع " حلقة أخرى عن البحر السومري  لأن السومريين هم اول من ركب بحر هذا الخليج . 


الخرائط  المرفقة : 

1- خريطة الشريف الإدريسي ( 1099- 1160م)  للعالم (كتاب: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق رسمها للملك روجر الثاني ويلاحظ أن الخريطة مقلوبة لأن الناس في تلك الأيام كانوا يعتقدون أن الجنوب هو في الأعلى .

2- خريطة الأصطخري الفارسي وتسميته للخليج العربي ببحر فارس . 

3- خريطة الخليج  العربي عند الاصطخري .

4- خريطة بطليموس التي نقل الإيرانيون عنها خطأ .

5- خريطة بحر البصرة  كما ورد  في القرن الثامن عشر 

( Nouvel Atlas and the 66 volume Galerie Agréable du Monde ( Leiden, 1728).


المصادر المعتمدة

معنى " الخليج " الكلمة بالمفهوم الجغرافي امتداد من الماء متوغل في اليابسة ابن رستة كتاب الأعلاق النفيسة ط. دخويه (ليدن: بريل 1967م) ص 84 . 

- سهراب كتاب عجائب الأقاليم السبعة إلى نهاية العمارة ط.هانس فون مجيك فيينا 1347هـ/1929م ص59.. 78.

- علي بن الحسين المسعودي كتاب التنبيه والأشراف ط. دخويه ليدن 1967م نفسه مروج الذهب ومعادن الجوهر ط. شارل بلا بيروت 1965-1979 م ص38 نفسه 1965-1979م ج1 ص128.

-الأصطخري كتاب مسالك الممالك ط. دخويه ليدن 1967م الترجمة الفارسية للقرن الخامس/ السادس الهجريين ط. إيرج أفشار طهران 1968 ش [1989م]7م ص28 .

- راجع كتاب خسرو الخسروي كتاب عجائب الهند في :

؛ Buzurg b. Shahriyar Ram-Hurmuzi, Livre des merveilles de l'Inde =

 texte arabe, traduction francaise par L. Marcel Devic, Leide 1883-1886, reprint Tehran 1966, p. 41.

- (محمد بن أحمد المقدسي كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ط. دخويه ليدن 1967م ص17-18)

- ابن حوقل كتاب صورة الأرض ط. كرامرس ليدن 1967 (ص42)

- مؤلف : مجهول (توفي: بعد 372هـ) حدود العالم من المشرق إلى المغرب ط. منوتشهر ستودة طهران 1340 ش 1960م  ص12. 

- محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم  ط. جلال الدين همائي طهران 1362ش 1983م ص 167.

- ابن البلخي فارس نامه (= كتاب فارس) ط. غي لسترنج ورينولد آلن نيكلسون، لندن 1921م، ط. أوفست طهران 1363ش/1984م ص153. 

-محمد بن نجيب بكران جهان نامه (= كتاب العالم) ط. محمد أمين الرياحي طهران 1342ش / 1963م، ص18، 20.

- ياقوت الحموي معجم البلدان ط. ووستن فلد لايبزيك 1866-1872م ط. أوفست طهران 1965م ج1ص502. 

- حمد الله بن أبي بكر المستوفي كتاب نزهة القلوب ط. غي لسترنج طهران 1362ش /1983م ص136. وايضا قارن مع حمد الله المستوفي "سفر دريائىنثارخ در سواحل عمان وخليج فارس" (= رحلة نثارخ البحرية في سواحل عمان والخليج الفارسي) مجلة كلية الآداب في جامعة طهران، السنة 3،  العدد 4 (تير 1335ش / حزيران/ يونيو 1956م). 

- ابن الفقيه مختصر كتاب البلدان ط. دخويه بريل & ليدن 1967م ص8. 

- لقد استغل البعض من الجغرافيين والمؤرخين الفرس في إيران هذه "التسميات" ليجعلوها أساسًا يبنون عليه حجتهم. انظر السيمنار الذي تعرف سنة طبعته أو إلقائه أو مكانه: 

H. Malmirian, The Nomenclature of the Persian Gulf (Direclor, National Geographical Organization, Iran).

- الأصطخري كتاب مسالك الممالك ط. دخويه بريل / ليدن 1967م)، ص28-29. وهناك ترجمة فارسية لهذا الكتاب فيه إضافات خاطئة لم يقلها الأصطخري. انظر: المصدر نفسه الترجمة الفارسية للقرن الخامس/ السادس الهجريين ط. إيرج أفشار طهران 1968 ش /1989م.

-محمد بن محمد الإدريسي كتاب نزهة المشتاق في اختراق آلافاق (القاهرة، د.ت.) ج 1، ص 9.

- بندهش (جمع) فرنبغ دادغي ترجمة بالفارسية الحديثة : مهرداد بهار، طهران 1369ش /1990م، ص 27.

-صادق هدايت "شهر = ستانهاى إيران" در نوشته هاى براكنده (= المحافظات الإيرانية في الكتابات المتفرقة)، طهران، 1331ش / 1952م ص422،  430. 

- (ص58، الهامش رقم 4)

- (محمد جواد مشكور، "نام خليج فارس" (= اسم الخليج الفارسي)، در خليج فارس (= في الخليج الفارسي)، ج1، طهران، 1341ش/ 1962م، ص38-39 شارب رالف نورمن شارب فرمانهاى شاهنشاهان هخامنشي (= دساتير الملوك الأخمينيين) شيراز تاريخ المقدمة 1346ش / 1967م ص 105.

Nouvel Atlas and the 66 volume Galerie Agréable du Monde ( Leiden, 1728 .









تعليقات

أحدث أقدم